24‏/9‏/2017

إدارة الموقع

الرسالة الأربعينية للإمام الحسين (ع)


الرسالة الاربعينية
سماحة آية الله الفقيه السيد المقدس الغريفي (دام ظله) - النجف الاشرف
التاريخ/24-2-2008 م

قبل الخوض في الحديث عن زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين بعد استشهاده وبيان فضيلتها وعظمة إحياء هذه الشعيرة نريد أن نتعرف أولاً بالقدر الممكن عن رقم الأربعين وخصوصياته الرسالية والتشريعية لنصل ثانياً إلى معرفة فضيلة زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين مع إدراك ما يُمكن إدراكه عن خصوصية رقم الأربعين ، ونستفيد من هذا الطرح بعض المعلومات والدروس والعِبَر لتتبلور لدينا فكرة ناضجة عن يوم الأربعين الذي صار يوماً قد اتفقت مختلف الديانات السماوية والوضعية على جعله يوم زيارة الموتى من حين وفاتهم وتأدية مراسيم معينة بحسب كلّ معتقد .فنقول: إنَّ رقم الأربعين له خصوصيات وسنن معهودة وردت في الكتاب والسُنَّة وكان من أبرز معالمها هو تلقي الرسالة السماوية ومعرفة التشريعات الإلهية وترتب بعض الآثار التكوينية والتشريعية فيما يتعلق بالرقم أربعين ، فممّا  يُلفت النظر أنَّ الإنسان يبلغ الأشُدْ  من عمره في سن الأربعين ، وهو أيضاً الميقات الذي واعد الله سبحانه موسى (عليه السلام) لكي ينقطع عن جميع الخلائق ويتوجه إلى مناجاة ربِّه ويأخذ عنه التوراة وتشريعاته فتمَّ ميقات ربِّه أربعين ليلة ، وهو الرقم الذي نجى بنو إسرائيل من التيه والضياع باكتمال أربعين سنة ، ثُمَّ أنَّه نزلت رسالة الإسلام على نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وهو في عمر الأربعين ، وقد بشّر الرسول (صلى الله عليه وآله) المسلمين بأنَّه من حفظ على أمتي أربعين حديثاً كتب فقيهاً وفي رواية دخل الجنَّة ، كما أنَّ مراحل تكوين الجنين تعتمد رقم الأربعين في التغيير المفصلي لمراحل نموه كما عن الباقر (عليه السلام) أنَّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ثمَّ تصير مضغة أربعين يوماً فإذا كمل أربعة أشهر....إلخ ،  ويلحظ الإمام علي (عليه السلام) في خطابه لأبناء الأربعين جانب الابتعاد عن الغفلة واللهو واللعب والعمل على الإعداد الكامل والتزود والإقدام على الله تعالى بقوله (عليه السلام) : [يا أبناء الأربعين ماذا أعددتم للقاء ربِّكم] ، وأما الدعاء للمؤمنين في وتر صلاة الليل فإنَّه يُستحب تعداد أربعين منهم بأسمائهم ، وكذا شهادة أربعين من المؤمنين للميت تُكتب على جريد النخل الرطب وتُوضع مع الميت كما هو وارد ، وقول الرسول (صلى الله عليه وآله) : [من شرب الخمر لم تُقبل له صلاة أربعين صباحاً] وقوله (صلى الله عليه وآله) : [من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله صلاته أربعين يوماً وليلة ، إلاّ أنْ يغفر له صاحبه]، وعنه (صلى الله عليه وآله) : [من صلّى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق] ، وعن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) : [من أخلص العبادة لله أربعين صباحاً ، ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه] ، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) : [إنَّ الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحا] ، وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) في بيان فضيلة دعاء العهد أنَّه قال : [من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا (عليه السلام) ، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره ، وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة] ،ودعاء العهد معروف وموجود في كتب الأدعية ، وهناك الكثير من الروايات في هذا المجال ، ونفهم من خلال استعمال الباري جلَّ وعلا في سننه التشريعية وما يلحقها من آثار وضعية لهذا الرقم في عدَّة موارد فإنَّه يكشف عن وجود اهتمام وخصوصية وسر في هذا الرقم نستدل بذلك كلِّه على قوَّته ونضجه وتأثيره في مسارات انبعاث الحياة الكريمة للأمم والشعوب ونهوضها ويُساعد على تجدد مسيرتها وفق صياغة رسالية هادفة تدرك الطبيعة الحركية الإصلاحية في بني البشر بنضج ووعي ورشاد ، وإن لم نكن ندرك العلّة الحقيقة في هذا الرقم إلاّ أننا نتعامل معه من جهة التعبد لإدراك المصالح المكنونة فيه ولذا ورد هذا الرقم في الكتاب والسُنّة في موارد عديدة كما ذكرنا ، وأيضاً كما  قال تعالى : [حتى إذا بلغ أشدُّه وبلغ أربعين سَنَةً قال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك](1)، وقال تعالى : [فتّم ميقات ربِّه أربعين ليلة](2) ، وقال تعالى : [وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً ثمَّ اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون](3)،  وقال تعالى: [قال فإنَّها محرمة عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين](4) ،  ومن السنن المستحبَّة أيضاً زيارة الأموات في يوم الأربعين من تاريخ وفاتهم وهو ما قام به الإمام السجاد (عليه السلام) لزيارة أبيه الشهيد الحسين (عليه السلام) ، وزيارة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه الذي اغتسل بماء الفرات ولبس ثياباً طاهرة وتطيَّب وسار حافياً إلى قبر الحسين (عليه السلام) والتقى مع الإمام السجاد عند القبر ، وكان الإمام السجّاد (عليه السلام) قد أعاد الرؤوس الكريمة من الشام إلى مكان دفن الجسد في كربلاء يوم الأربعين وهو ما يُعرف عند العراقيين بيوم (مَرَدّ الرؤوس) ، وفي كامل الزيارات عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) حيث قال : [يا زرارة إنَّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم ، وأنَّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد ، وأنَّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة ، وأنَّ الجبال تقطعت وانتثرت وأنَّ البحار تفجرت ، وأنَّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين (عليه السلام)](5) . وفيما روي أنَّ الروح تزور مكان دفن الجسد في يوم الأربعين . كما أنَّ في الأربعين إشارة واضحة إلى نضج وتكامل رسالة الحسين (عليه السلام) وبلوغها الأشد بالدور الذي قام به السجاد (عليه السلام) وعمته زينب الحوراء من خلال مسيرهم مع السبايا إلى الشام وكشفهم لملابسات الرسالة الحسينية للعالم والتعريف الصريح بقادة حاملي هذه الرسالة وأنَّهم أهل بيت النبوّة وسيّد شباب أهل الجنّة وصحابتهم البررة وليس هم من الترك أو الديلم أو خارجين عن الحق والعدل كما يُرَوِّج لذلك الإعلام الأموي الدموي لتضليل الرأي العام ، فكان إعلامهم الإسلامي الرسالي الجريء المتصدّي والمواجه لسياسة التضليل والكذب والقمع و الإبادة مكملاً ومتمماً لتبليغ الحسين (عليه السلام) الرسالة التي خَطَّها بدمه الزكي ودماء أهل بيته وصحابته الكرام البررة حيث أنّه كشف الحقائق وخلق التوعية وبصَّرَ الناس بالحق ورفع عن الطغاة أغطيتهم المزيفة والمضلِّلة التي يتسترون بها لتتضح حينئذٍ معالم رسالة الحسين (عليه السلام) ، كما أنَّ الإعلام الصادق الواعي والهادف استنهض الهمم وحرّك جميع القوى في داخل الإنسان للدفاع عن الإسلام وعن رموزه الواقعية ، وقد نتج عن ذلك كلِّه حفظ وتحصين الإسلام من التحريف والتلاعب الذي مارسه الطغاة المستكبرين وإزالة الأغطية الوهمية عنهم وعن تطبيقاتهم المنحرفة وكشف زيف دعاة الجاهلية الثانية  لتثبت حقيقة للعالم أجمع وهي أنَّ الإسلام محمديُ الوجود حسينيُ البقاء ، ولذا تعاقبت الثورات والانتفاضات الشعبية ضدّ الحكم الأموي الجاهلي وما زالت تأثيراتها مستمرة إلى يومنا هذا حيث تقوم الشعوب المتحررة بمناهضة الظلم والاستكبار والفساد بفضل تضحية الحسين (عليه السلام) ومدرسته المتكاملة .
 ومن هنا نقول : إنَّ زيارة الأربعين تمتلك أبعاداً واسعة ومؤثرة فمنها كونها ملتقى الأحبَّة وتجديد المواساة وتنشيط الموالاة وتأكيد عقد البيعة والنصرة وبيان مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) والتبرك بالمكوث إلى قربهم واستجابة الدعاء في حضراتهم كما أرشد الأئمة (عليهم السلام) إلى ذلك في روايات عديدة ومقامات متفرقة ، وفي تهذيب الأحكام عن الإمام الباقر (عليه السلام) حيث قال: [مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فإنَّ إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر و يدفع مدافع السوء . وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرُّ للحسين (عليه السلام) بالإمامة من الله](6)، وفي كامل الزيارات عن الوشاء قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول : [إنَّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإنَّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة](7) ، وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: [لو أنَّ أحدكم حجَّ دهره ثمّ لم يزر الحسين (عليه السلام) لكان تاركاً حقّاً من حقوق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لأنَّ حقّ الحسين (عليه السلام) فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم]، حتى عدَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين من علامات المؤمن كما ورد عنه أنه قال: [علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ، وببركة هذا الرقم الذي يحمل سِرَّ الحياة الكريمة والتشريع والصلاح والعهد والخلاص من التيه والضياع إنَّما يتفاعل في  واقع الأمر مع الموجودات بشرط توفر الأرضية الخصبة من الإعداد النفسي والإقدام الحقيقي للإنسان والمجتمعات والشعوب نحو التغيير والإصلاح والتقرب إلى الله تعالى ، لكون هذا يُعَدُّ مسلكية إيمانية تندرج ضمن مصاديق الإحياء الذي  يؤكد عليه الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله : [أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا] ، لنفهم أنَّ زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين تعني حياة لأمر المعصومين (عليهم السلام) لأنَّهم واحد ، وبالتالي فهو حياة للإسلام ورحمة ونجاة للعاملين لأنَّه سبيل الى يقظتهم ونهوضهم وتماسكهم وقوتهم وكذا تحمل دعوة للشعوب إلى التحرر من الطاغوت والاستكبار الشيطاني والتمسك بالعروة الوثقى التي تجمع الناس على الألفة والمحبّة والوحدة والسلام وهذه من الأهداف السامية والمقاصد العالية في التطبيقات الصحيحة لإقامة الشعائر الدينية واستذكار الحسين (عليه السلام) ، ولذا فإنَّ الملايين من الناس يزحفون إلى قبر الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام ويقطعون آلالاف الكيلو مترات ومن كل أنحاء العالم ، وهذه سُنّة يُمارسها الموالون منذ أن أستشهد الحسين (عليه السلام) وإلى يومنا هذا إحياءاً لهذه الشعيرة العظيمة التي هي من رموز الولاء والنصرة للحق وإتباع الإمامة الصادقة والرفض القاطع للطواغيت من شياطين الإنس والجن ولذا قال تعالى: [ذلك ومن يُعظم شعائر الله فإنَّها من تقوى القلوب](8)، فرقم (الأربعين) رغم ما يحمله من تكاليف عظيمة ومسؤولية رسالية لقيادة الأمَّة وتشريع نظامها إلاّ أنَّ أسم الحسين (عليه السلام) أضاف إلى الأربعين صفةً خاصة ولوناً جديداً وحركة متميزة خالدة حيث تجد في رسالته الامتدادية لرسالة جدِّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومناسبة أربعينيته صرخة مُدّوية وصحوة عارمة ورؤيةً آفاقية واسعة نتجت عنها بيعة دائمة وعهداً متجدداً لمواصلة الجماهير المؤمنة المسيرة على الدرب الرسالي الخالد الذي يؤدي إلى حفظ الإسلام وانتصار المسلمين والثبات على العقيدة والالتزام بالتشريع ، فتكون مناسبته (عليه السلام) مجمعاً رئيسياً للغايات والمقاصد الحميدة ينبض بالعزَّة والكرامة والإباء والقوة والمَنعَة ليُنعِشَ الأمم المستضعفة ويستنهضها بالمدد الإيماني والدروس الإصلاحية لتجديد مسيرته الواقعية الحيََّة في كلّ زمانٍ ومكان والتي كان وما يزال وسيبقى الحسين (عليه السلام) رمزها ورائدها في جانبي القدوة والأسوة ، وهنا  تبرز وتظهر بقوّة عظمة الموالاة والنصرة والإقتداء بالحسين (عليه السلام) من خلال معرفتنا فيما لا مبالغة فيه وبشهادة القرآن وبالسيرة المتجسدة على أرض الواقع أنَّ بني إسرائيل غاب عنهم موسى (عليه السلام) أربعين ليلةً وقد استخلف عليهم أخاه هارون النبي (عليه السلام) فارتدوا على أدبارهم وعبدوا العجل من دون الله جلَّ وعلا ، وعاقبهم الله سبحانه وتعالى بالتيه والضياع أربعين سنة ، فجعل كُلَّ يومٍ عليهم بسنة ، ولمّا أدركوا الذنب والعقوبة أعلنوا التوبة والندم وبعد إكمال الأربعين سنة حصل لهم الفرج ، بينما نجد أتباع الحسين (عليه السلام) اليوم وقد أستشهد منذ أكثر من ألف و ثلاثمائة سنة وهم يُجددون ذكراه في كل يوم وينصبون له العزاء في كل مكان ويسترشدون بسيرته في كل مناسبة ويتعاهدون دائماً على بيعته وبيان مظلوميته والمطالبة بثأره مع إمام مهدي موعود بالنصر لتحقيق العدالة العالمية ، وهذا شرف لا يناله إلا ذو حظٍ عظيم من الأوفياء الموالين المخلصين  .
 أيها الأنصار المجاهدون الشرفاء المؤمنون في كل مكان لقد غاب عنكم المعصوم المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) منذ ما يزيد على الألف ومائة سنة وقد عاهدتموه على الولاء والطاعة والنصرة وصبرتم على ذلك بعقيدة وإيمان راسخين تنتظرون خروجه ونصرته وأنتم على الانتظار صابرون وعاملون ، تؤسسون القواعد الممهدة لخروجه واستقباله ، وهذه مسلكية إيمانية غير معهودة منذ أن خلق الله سبحانه آدم (عليه السلام) وحتى غياب المهدي المنتظر(عجل الله فرجه) ، وبها تمتازون عن باقي الأمم والشعوب الذين انحرفوا عن الخط العقدي والتشريعي الصحيح بمجرد غياب النبي موسى (عليه السلام) عن قومه أربعين ليلة ، وغياب عيسى النبي (عليه السلام) حينما رفعه الله تعالى إلى السماء ، بينما أنتم صامدون وصابرون وسائرون وعاملون في الخط الصحيح ومستمسكون بالعروة الوثقى وفق ضوابط وآليات الصراط المستقيم حيث ابتعدتم عن السُبات والكسل والرهبانية المزعومة و الانحراف و فسّرتم الانتظار ( فعلاً وقوةً ) بالصبر والعمل ومتابعة منهجية القيادة المركزية الواقعية المتمثلة بالإمام المهدي الحُجة بن الحسن (عجل الله فرجه) ، وهذا يعني الاستقامة والتطبيق الحقيقي للمنهج الشرعي للإسلام الصحيح ، الذي يرفض المفاسد والانحرافات الفكرية والسلوكية ويبتعد عن الأباطيل والدعاوى المضلِّلة باسم الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وغيره ، و يُتابع بتأكيد وضرورة منهج الإمام (عجل الله فرجه) فيما نصَّ عليه في إرشاداته وتوجيه الأمّة في حال غيبته  بمتابعة الامتداد الطبيعي للأئمة (عليهم السلام) من المراجع الربّانيين والعلماء الرساليين الأمناء على الدين لملئ الفراغ  ومواصلة المسيرة الصادقة ومن ثمَّ تسلّم الراية إلى الإمام الحجّة (عجل الله فرجه) حين يأذن الله تعالى بظهوره (عليه السلام) ، و نحن من خلال هذه المنطلقات الواعية والأهداف السامية نغتنم مناسبة أربعين الحسين (عليه السلام) لإحيائها بما تستحق وإعطائها دورها الحقيقي وبعدها الإستراتيجي في تنشيط الجوانب التربوية والحركية وإيقاظ الأمّة نحو تحقيق مطالبها المشروعة من الإصلاح ودرأ الفساد والمفسدين بكل أشكاله وقمع الإرهاب والسير بالأمّة نحو الاستقلال والعدل والسلام ورعاية المستضعفين والمحرومين والمظلومين وإرجاع حقوقهم المشروعة وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي العادل غير المسيّّس وتوفير فرص عمل متكافئة وسُبُل حياة كريمة تصون كرامة الإنسان وشرفه ، ونهيب بجميع الأخوة في العالم مراعاة ذلك وخصوصاً في عراقنا الجريح وبالأخص نخاطب المتنفذين في أجهزة الدولة ، فيجب أن نتحمل جميعاً مسؤولية إسلامنا وولائنا للحسين (عليه السلام) الذي قدَّم نفسه وأهل بيته وأصحابه و ما يملك من أجل حفظ الإسلام والإصلاح في أمّة جدِّه محمد (صلى الله عليه وآله) ورفض الظلم وتحقيق العدالة ، فإذا كان الحسين (عليه السلام) رمزنا حقيقة فعلينا أن نتخذه قدوة وأسوة في مسيرتنا ، وأيضاً ينبغي علينا جميعاً أن نبذل ما بوسعنا للرقي بأنفسنا إلى مستوى تضحية الحسين (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام)  وأصحابه الكرام لكي نحظى بالانتماء إلى مدرسته المتكاملة والولاء لشخصه (عليه السلام) والنصرة لمسيرته وأهدافه ، ولذا تجد فيما أكدَّ عليه الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) وقد ألقى الحجّة على الناس ودعاهم إلى الالتفاف حول الحسين (عليه السلام) واستبق جميع الأحداث التي كان يعلم بحصولها  حيث قال الرسول (صلى الله عليه وآله) : [الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة] . وقوله (صلى الله عليه وآله) : [حسين منّي وأنا من حسين أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً] . وقوله (صلى الله عليه وآله) : [الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا] . وقوله (صلى الله عليه وآله) : [الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة] . وغير ذلك من الروايات الكثيرة المتفق عليها بين المسلمين .    
ونفهم من جميع ما ذكرنا أنَّ المدرسة الحسينية لا تقتصر في متابعتها و الانتماء إليها على شعبة العاطفة الإنسانية من الحزن والبكاء واللطم والجزع أو الإيثار وبذل الطعام وإن كانت هذه الشعب مطلوبة في المسيرة الحركية الواعية والهادفة على مستوى الذات الإنسانية ومستوى الجماهير في إحياء ذكرى الحسين (عليه السلام) ولكنّها تمثل شُعَباً من مجموع شُعَبٍ كثيرة تشترك جميعها كوحدة متلاحمة ومترابطة لإخراج الهوية الكاملة لهذه المدرسة الحسينية بصورة منضبطة ومتوازنة في شُعَبها وأبعادها وأهدافها ومسيرتها لكي نبتعد عن الخلل في المضمون والأداء ، وبالتالي نحظى على الاستقامة المطلوبة في العقيدة والتزام جانب التشريع وتكون تطبيقاتنا الحياتية العامّة عادلة ومنصفة وصحيحة ومنتجة في عباداتنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا برموزنا وسائر الناس ، وهذا ما يتطلب من الجميع أن لا يُسَيِّسوا الدّين وقضية الإمام الحسين (عليه السلام) الرسالية الإسلامية العالمية لمصالح حزبية وفئوية ضيَّقة  فيُحارَب لأجلها زوّار الحسين (عليه السلام) باسم الحسين (عليه السلام) والدّين ، فتستغل استغلالاً سيئاً ومحرمّاً ، وينبغي علينا جميعاً  أن نرقى بذاتنا وبجماهيرنا إلى مستوى تضحية الحسين (عليه السلام) ونحفظ لذلك الأمانة الدينية التي دافع من أجلها الحسين (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه البررة الكرام ، ونؤدي وظيفتنا الشرعية والشعائرية بخير وعدل ونظام وسلام ، وبهذا نكون قد تحملنا مسؤولية إسلامنا وولائنا لأهل البيت (عليهم السلام) وأحيينا أمرهم وواصلنا مسيرتهم بأمانة وصدق وإخلاص .
إذن اجتماع الأمّة في كربلاء وباقي مدن العالم لإحياء المناسبة بما تستحق هو استجابة مفتوحة عبر الأجيال لصرخة الحسين (عليه السلام) التي نفذت في أعماق النفس الإنسانية وتركت في الأمم والشعوب انطباعا  حركياً نحو التغيير والإصلاح ورفض الظلم والطغيان والسعي الجاد من أجل التحرر من قيود الجاهلية في كل زمان ومكان ، والعمل على مواساة أهل البيت (عليهم السلام) وبيان مظلوميتهم والتعاهد على متابعة منهجهم صلوات الله عليهم أجمعين ومبايعتهم ، والإقتداء بسيرتهم من الصدق في القول والعمل وحفظ الأخوّة والوفاء والإيثار ونشر العدل والسلام  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها مما تعني جميعها التخلق بأخلاق القرآن الذي جسَّده المعصومون (عليهم السلام)  في مسيرتهم ، هذا وأنَّ طاعة صاحب الأمر والزمان (عجل الله فرجه) ومناصرته تختصر فيها بيعة جميع المعصومين (عليهم السلام) لأنَّه خلاصة سيرتهم (عليهم السلام)  وهو الإمام القائد لهذا الزمان الذي يجب معرفته وطاعة أوامره كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله) :( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، وهو الذي يُحقق العدالة الكبرى في العالم وينتصر للمستضعفين ويأخذ بثأر جدّه الحسين (عليه السلام) ويعم الخير والسلام  في ربوع العالم ، فهو من تصل إليه تلك الصرخة والصيحة الحسينية المدوّية كاملة عبَرَ الوسائل الإلهية فيتحمل شدتها وحرقتها وينهض بأعبائها كاملة أيضاً مع أنصار أشدّاء لا يرهبون الموت كأنصار الحسين في كربلاء ، لأن الصرخة خرجت بقوّة من معصوم وهو الحسين (عليه السلام) وتنتهي إلى من يتحملها وهو المعصوم المهدي المنتظر(عجل الله فرجه) ، وما بينهما تكون مسيرة نضالية كفاحية تقدّر بقدرها بحسب ما تنص عليه الوظيفة الشرعية لكل مرحلة وظرف ، هذا وأنَّ للحسين (عليه السلام) كما في الرواية حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدا ، ولذا نجد الناس في كل يوم ومناسبة يستذكرون الحُسين (عليه السلام) ويغضبون لأجله ويصرخون لصرخته حتى يظهر الإمام الحجة (عجل الله فرجه) فيأخذ بثأره . ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أنصار الحجة وأعوانه و الذابّين عنه والطالبين معه بثأر الحُسين (عليه السلام) والمستشهدين بين يديه ، والحمد لله أولاً وآخراً ، وعظم الله أجورنا وأجوركم . 
ونسألكم الدعاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأحقاف / 15 .
2- الاعراف / 142 .
3- البقرة / 51 .
4- المائدة / 26 .
5- كامل الزيارات لابن قولويه القمي : ص167 .
6- تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي : ج6 ص42 باب 16حديث1 .
7- كامل الزيارات لإبن قولويه : باب43حديث2-5 ،ص237 .
8- الحج / 32 .

 

الرسالة الأربعينية للإمام الحسين (ع)

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك