24‏/9‏/2017

إدارة الموقع

بيان حول اصلاح ذات البَين


بيان حول اصلاح ذات البَين
 سماحة آية الله الفقيه السيد المقدس الغريفي (دام ظله) - النجف الاشرف
 التاريخ /  27 / 3 / 2008م - الموافق / 27 / ربيع الاول /1429 هـ
https://drive.google.com/open?id=0B8iWm5IAJgmIVHhma0ZNQzVfWDA

أيُّها الشعب العراقي الحبيب لطالما كنتم ضحية المؤامرات والدسائس والفتن الداخلية والخارجية والمصالح الضيِّقة التي انهالت عليكم كقطع الليل المُظلم منذ أيّام العهد البائد وحتى يومنا هذا فصرتم فيها وقوداً للحرب ووقعتم ضحية فخ الإرهاب والإحتلال والفساد لتطال جميع الحقوق الإنسانية وعلى كلِّ المستويات حتى وصل الحال إلى عسكرة الشعب العراقي لينقسم في اتجاهاتٍ متعددة ومتعاكسة يقع أحدهما في جانب الحكومة بأحزابها وتحالفاتها ويقع الآخر في جانبٍ مضادٍ لها ولعموم الشعب بكل المعايير والموازين وهو الإرهاب ويقع الثالث كنتيجة قهرية نابعة عن ثورة جماهيرية عارمة ضدَّ الطغيان والإستكبار المتمثل بالإرهاب والإحتلال بغض النظر عمَّا يكتنف المسيرة من تطبيقات صحيحة أو خاطئة ، فكانت هذه المسيرة عموماً هي تعبير عن الإرادة الوطنية المغيَّبَة والمصادرة لعقود من الزمن والتي أنار شعلتها السيد الشهيد الصدر الثاني (Q) فهي تنهض من أجل المطالبة بالحقوق المشروعة ومواجهة الإحتلال وهُم يُمثلّون الأكثرية في هذه الجهات ، بينما يقع باقي الشعب المسالم في وضع أكثر مأساوية وحيرة في أمره لشدَّة مظلوميته واستضعافه حيث أنَّه لا يقوى بأيِّ حالٍ للتعبير والمطالبة بأدنى ما يستحق لتحصيل بعض حقوقه الإنسانية لضياعه بين عالمين يسودهما العسكرة والمحاصصة ، وللأسف الشديد نقول ومن موقع المسؤولية الشرعية : أنَّ وجود الإحتلال يُمثل مصدر الخراب الأول في البلد ووجود الإرهاب ثانياً وعجز الحكومة العراقية بأحزابها ثالثاً التي تعجز عن خلق الموازنة بين رغبتها الشديدة وطموحها في البقاء في السلطة والحكم وسيطرتها على منافذ الحياة العراقية وبين حفظ حقوق الشعب الإنسانية والدستورية مع التزاماتها بعهود ومواثيق مع قوى الإحتلال قد تُخِلُّ بسيادة واستقلال العراق ، ولذا فهي ومن موقع أعلى في سلطتها وحاكميتها وتعاملها مع قوى الإحتلال تتحمل مسؤولية عظمى فيما يجري على الساحة العراقية من فساد وارهاب وعسكرة وتنافس غير مشروع بين الأحزاب والتكتلات السياسية من أجل أن يفرض كلَّ واحد منها وجوده وارادته وسياسته على الآخرين تحت أيِّ ذريعة بما يؤدي إلى تسلّح وخرق فاضح لحقوق الإنسان وبما يجعل أحدهم يستقوي على الآخر بما يملك من خيارات القوَّة والغلبَة السياسية والعسكرية للشروع بتصفية الآخر أو الإضرار به أو مصادرة حقوقه المشروعة تحت أيِّ ذريعة وبتطبيق خاطئ وفاسدٍ للقانون .

وعليه فالصراع العسكري الموجود اليوم كواقع حال بين الحكومة والتيار الصدري الجماهيري في معظم مناطق العراق وخصوصاً في البصرة الفيحاء الذي يَعلََم الشعب بأسبابه ودوافعه وخلفياته ، فإنَّه يكون نزول الحكومة فيها بجيش عظيمٍ لغرض القيام بصولة عسكرية كما يُسَمِّيها لمكافحة الأمر الواقع إنَّما هو تأزيمٌ للموقف واشعال لنار الحرب والفتنة والفساد بينما يجب على الحكومة العراقية أن تتخذ موقفاً هادئاً وعقلانياً تبحث من خلاله عن معالجة حقيقة عادلة لقضايا الشعب الجريح تسودها حلول سلمية حكيمة تحمل الروح الأبوية للشعب أو ما قد يُعَبَّر عنها بالحلول الديمقراطية بدَل أن تخوض في معارك يُسفك فيها دماء أبناء الشعب وتضيع فيها الحقوق ويشمت لذلك الأعداء ويقوى بها الإحتلال وتشتعل نار الفتنة وتكون الحكومة حينئذٍ قد حملت موروث الأنظمة القمعية إزاء شعوبها من حيث تدري أو لا تدري لتواجه نفس المصير ، وهذه نتائج خطيرة على الوضع الحالي والمستقبلي للشعب وخصوصاً أنَّ مدَّة الحكومة لم يبقى لها إلاَّ سنة واحدة تقريباً على انتهاء ولايتها والوضع كما هو من الفقر والبطالة والجهل وممارسة التصفيات وهروب الكفاءات العلمية والكوادر الخدمية المتطورة والتهجير والإرهاب وبقاء قوّات الإحتلال بذرائع وأسباب رسمية وفَّرَتها لها الحكومة من خلال اتفاقيات ومواثيق لتمديد بقائهم بما يَمسّ واقعاً بسيادة العراق واستقلاله ، إضافة إلى أنَّه كلَّما تزداد المشاكل والفتن والحروب في العراق فإنَّها تنعكس سلباً على الرموز والقادة والمرجعيات الدينية في الشارع والإعلام حيث أخذت القنوات الفضائية المعادية ومثيلاتها من الصحف والأنترنيت وغيرها تستثمر ها للطعن والتنكيل بهم والتحريض عليهم وبأساليب مختلفة تحت ذريعة حرية التعبير عن الرأي والدفاع عن العراق وشعبه ، ولذا لابد للحكومة أن تلحظ في خطوات عملها هذا الإنعكاس لتحفظ عنوان وهيبة المرجعية من الإساءة والإنكسار .

ولذا ينبغي علينا جميعاً حكومة وشعباً ومن باب أولى أن نتحمل مسؤولية أنفسنا وأعمالنا وما يترتب عليها من نتائج ونلجأ إلى الصحوة في أنفسنا وأن نتصالح مع ذاتنا أولاً حتى نستطيع أن نؤدِّيها إلى الآخرين كما في قوله تعالى : [أتأمرونَ الناسَ بالبِرِّ وَتَنسَونَ أنفُسَكُم وَأنتُم تَتلُون الكتابَ أفلا تعقلون] البقرة/44 ، ليصدق علينا فعلاً أنَّنا نعيش في أجواء حرية وديمقراطية وتعددية وعدالة وبالتالي ستكون دعوة الحكومة خالصة إلى الصحوة والمصالحة بعدما تحصل أولاً مع الذات ومن ثمَّ لتنتقل إلى الآخرين . وأمّا أن يتم السير بالإتجاه المعاكس لتقوم الحكومة بنفسها أولاً ، من أجل أن تحقق أهدافاً مزدوجة منها تحقيق الطموح بالبقاء في السلطة والحاكمية واقصاء الآخرين ، ومنها اثبات حُسن نيَّة وسلوك لكسب رضا قوى الإحتلال ليدعموها ويمنحوها شهادة النجاح بامتياز من خلال التوثيق بأعمالٍ حسِّية وهي قتل الشيعي للشيعي ولمرَّات متكررة وكأنَّهم أصبحوا يستلذّون بدَم الشيعي ويستطيبوه إن لم يكن يستضعفوه فأنَّى تؤفكون ؟!!! ، وتقوم الحكومة ثانياً ، بفرض السيادة الوهمية على الشعب بالقوَّة ومنطق الغَلبة بتصور أنَّ الشعب ينبغي أن يكون لها عبيداً طائعين مستغلّين عنوان فرض القانون التي هي كلمة حق يُراد بها باطل ، في حين أنَّها أقسمت على تأدية الوظيفة والخدمة أو النيابة بأمانة وصدق وفق ما أقرَّ الشعب من دستور وقانون يقضي بالحرية والتعددية والديمقراطية والعدالة والمساواة ومراعاة باقي الحقوق ...إلخ ، هذا وقد صارت الحكومة ناسية أو غافلة إنَّها جاءت إلى هذه المواقع بصوت الشعب ، وأنَّ التيار الصدري جزء فاعل وكبير من هذا الشعب ومكوِّن رئيسي في العملية السياسية وله وجود واسع في هذه الحكومة ، ومع ذلك فهو يُوَاجَه بالسلاح والمطاردة والحَبس ، إذن بماذا يُمكن أن نصف معاناة أبناء الشعب ممن ليس له هذه الإمتيازات وهو يُطالب بحقوقه المشروعة التي ربَّما تجرح كبرياء الحاكمين في الدولة أو ينزعجوا من طلب أبناء الشعب لحقوقهم وامتيازاتهم ؟!!!

فهل من العدل مساواة التيار الصدري في المعاملة والحُكم وترتيب الأثر بالإرهابيين في ديالى والموصل وباقي مدن العراق ؟!!!

ولذا نهيب بالأخوة جميعاً حكومة وشعباً الإبتعاد عن تصفية الحسابات واستعمال لغة السلاح والقتال ونبذ ثقافة الغابة والغلبَة والمصالح الضيِّقة ، وعليهم بالإحتكام إلى لغة العقل والمنطق والحوار ، إضافة إلى السعي الجاد لنيل الحقوق الإنسانية والخدمية والسياسية وغيرها بالوسائل الدستورية والقانونية وتطبيق قانون الإنتخابات القادم لمجالس المحافظات بطرقٍ مشروعة يحكمها النظام والعدلٍ والسلام فإنَّ الدنيا تدور على الجميع وفي الآخر تزول وحينئذٍ يخضع المذنب إلى الحساب العسير ، هذا وأنَّه لا مجال دستورياً للبقاء مؤبداً في الحكم والسلطة إلاّ إذا تمَّ خرق الدستور من أجل إبقاء المنافع الدنيوية فإنَّ المنصب والمال منهومان لا يشبع منهما الإنسان ، ولكن هنيئاً لمن يعمل الخير ويكسب حبَّ الشعب ودعائه ويُفرغ ذمَّته من التكليف ويتقرّب إلى الله تعالى لنيل رضوانه ، وإذا عجزت الحكومة لا سامحَ الله عن معالجة الخلاف السياسي وغيره داخل الحكومة وخارجها بمعالجات سلمية وطنية فهذا يعني لا يخلو أمرها من كونها حكومة لا تفقه غير لغة الحرب كما هو حال الإحتلال والأنظمة القمعية لتُمارس سفك الدماء وتُحدث مجاعة وكوارث انسانية أو أنَّها غير قادرة على إدارة شؤون البلد ومعالجة قضاياه جميعاً وفق معايير العدالة والإنصاف والسلام ، وبذلك تكون فاقدة للأهلية والكفاءة والإستحقاق ، كما هي عاجزة عن تحقيق أمور منها نشر واستتباب الأمن والسلام في ربوع العراق وتوفير فرص عمل متكافئة و منح حياة كريمة للإنسان من مساعدات انسانية وخدمات عامَّة وغير ذلك من متطلبات الحياة ، ولمَّا علمنا باليقين أنَّه لم يقع النص والتعيين الإلهي على اختيار هذه الحكومة أو بقائها فلذا يتوجب عليها أن ترعى المصلحة الوطنية العليا فتقوم بتقديم الإستقالة من الحكومة وإرجاع الأمر إلى الشعب وفق ما أقرَّه الدستور العراقي لتشكيل حكومة وطنية جديدة ، وهذا أمرٌ طبيعي في العمل الديمقراطي وخصوصاً نحن في العراق أصبحنا نتحدّى العالم بما ندَّعيه لأنفسنا من العمل الديمقراطي ، فهل يصح أن نغالط أنفسنا ؟ . وتقديم الإستقالة أولى بكل المعايير الإنسانية والشرعية والوطنية من الحرب على أبناء الشعب وسفك دمائهم وما يلحق ذلك من فسادٍ وإفساد ، فإنَّ الإستقالة تُعَدُّ تصرفاً انسانياً وشرعياً ووطنياً لأنَّه يُبعد الشعب عن سفك وإراقة الدماء وتلف الأموال وانتهاك الأعراض فيما إذا كانت الحكومة لا تملك إلاّ خيار خوض الحرب ، علماً أنَّ الإسلام يحتاط كثيراً في الدماء ، فلذا تجد القرآن الكريم يتحدث بقوله تعالى : [من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنَّما قتل الناس جميعا] المائدة/32، وقوله تعالى : [ولا تقتلوا النَّفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلاّ بالحَق ومَن قُتِلَ مَظلوماً فَقَد جعلنا لوليِهِ سُلطاناً فَلا يُسرِف في القَتلِ إنَّه كانَ منصورا] الإسراء/33، فكيف بهذه الحروب التي هي اسرافٌ عظيم حيث تقتل الصغير والكبير ، الرجل والمرأة ، المذنب والبرئ ، الإنسان والحيوان والنبات ، كما وتؤثر على البيئة وتُعطّل منظومة الحياة وما إلى ذلك من خراب ودمار شامل ، ولذا فإنَّ الله تعالى يدعونا دائماً إلى تجنب هذه الكوارث بالجوء إلى العفو والسلام كما في قوله تعالى : [والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يُحبُّ المحسنين] آل عمران/134، وقولُه تعالى : [وأن تعفوا أقرب للتقوى] البقرة/237 ، وقوله تعالى : [وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنَّ الله غفور رحيم] التغابن/14 ، وقوله تعالى : [يا أيُّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافَّة] البقرة/208، وقول الإمام الباقر (D) : [إنَّ الله يُحبُّ إفشاء السلام] وغيرها من الآيات والروايات التي تُبعدَ عنَّا شبح الحرب والخراب والفساد والفشل وشماتة الأعداء ، حيث قال تعالى : [واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا] آل عمران/103، وقوله تعالى : [واطيعوا الله ورَسُولَهُ و لاَ تنازعوا فَتفشَلوا وَ تذهبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إنَّ الله مَعَ الصَّابِرين] الأنفال/46، إضافة إلى الآيات والروايات الكثيرة التي تدعوا إلى إصلاح ذات البين ، فقد قال تعالى : [فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم] الأنفال/1 ، وقوله تعالى : [والصُلح خير] النساء/128 ، وقد قال رسول الله (2) : [أفضل الصدقة إصلاح ذات البَين] ، وقول الإمام الصادق (D) : [صدقة يُحبُّها الله تعالى : إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا] ، وقول الإمام الصادق (D) للمفضل : [إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي] .

فأين نحن من هذه النصوص ومن تطبيقاتها وخصوصاً إذا كنّا في موقع المسؤولية والحاكمية وبالأخص إذا اتصفنا بالإسلاميين ؟ ، فلنستيقظ من نومتنا لنرى في عالم الحقيقة أنَّ الإحتلال والإرهاب والفساد المالي والإداري والمحاصصة وأمثالها الكثير هي جميعاً مصدر الخراب والفوضى وإشاعة لغة الإعتصام والتمرد والعصيان ....إلخ .

وينبغي العلم أنَّ مقاتلة الإرهابيين المفسدين الدخلاء الغرباء وملاحقة فلولهم في الموصل وديالى كان أمراً صائباً وحسناً بما لا يقبل الشك والريب فيه وبما لا يفتح مجالاً للمقارنة بين ما حدث في الموصل وبين البصرة ، فيكون ترك الموصل وعودة الحكومة منها وذهابها إلى البصرة لملاحقة أبنائها من السائرين في خط العملية السياسية و الداخلين في الحكومة والمطالبين بحقوق وطنية مشروعة وهم ممن تراكمت عليهم الأسباب وضغوطات الحياة الأليمة أمرٌ لا مُبَرِّرَ له وإنَّما هو راجع إلى مصالح سياسية خاصَّة بين التكتلات السياسية ، وعليه لا بد من الرجوع عن قرار الحرب والعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات الجادَّة البنّاءة ، وليكن في علم الجميع أنَّ قرار الحرب لا يؤخذ ارتجالاً كما هو معلوم عند الإسلاميين كما أنَّ نتائج الحرب الشعبية ستكون آثارها وخيمة على الجميع في الدنيا بما تُحدثه من فتن وكوارث وتُثيره من عصبيات وأحقاد وثارات ...إلخ ، وفي الآخرة من مساءلة وعقوبة وذلك هو الخسران المبين وقد قال تعالى : (واتقوا فتنةً لا تُصيبنَّ الذينَ ظلموا منكم خاصَّة واعلموا أنَّ الله شديدُ العقاب) الأنفال/35. فنسأل الله سبحانه وتعالى وندعوه أن يهدي الجميع لما فيه الخير والمحبَّة والسلام ، وأن يحفظ العراق ويصون وحدته أرضاً وشعباً ، كما ونسأله الفرج وتعجيل ظهور صاحب العصر والزمان المُصلح الأكبر ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما مُلئت ظلماً وجورا ، آمين ربّ العالمين وصلِّي اللهمَّ على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين .

بيان حول اصلاح ذات البَين

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك