25‏/12‏/2017

إدارة الموقع

خرافة نص العشرة المبشرة بالجنة

قبسات » مقتبس من كتاب جدلية الصحابة بين النص والعقل والسيرة لسماحة السيد (دام ظله) 

خرافة نص العشرة المبشرة بالجنة  :

أخرج الترمذي بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال(1) : [قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، و عبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبى وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة].
وأخرج الترمذي بسنده عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه(2): [أن سعيد بن زيد حدثه في نفر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : " عشره في الجنة : أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعلى وعثمان والزبير وطلحة و عبد الرحمن وأبو عبيدة وسعد بن أبى وقاص : قال فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر . فقال القوم ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر ؟ قال نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة].
لم يترك أتباع مرجعية الصحابة جهداً لتبرأة حال الصحابة إلا سلكوه بل لم يكتفوا بالدفاع عن مواقفهم الضالَّة والتأول فيها وإيجاد الذرائع والمسوغات لهم بل صاروا يمنحوهم من عند أنفسهم أجراً على وقوعهم في المعاصي والبغي والضلالة تحت ذريعة أنَّهم مجتهدون ولو كانت تلك المواقف مخالفة للنصوص الصحيحة والصريحة التي لا شُبهة فيها كما في خروجهم على إمام زمانهم الشرعي الواجب الطاعة ومقاتلته وإباحة دمه وجميع مَن يقف إلى جنبه من الصحابة والتابعين ، بل أخذوا يضعوا الأحاديث المكذوبة في بيان فضائلهم ومناقبهم ومرجعيتهم بل زادوا على ذلك أيضاً أن اختلقوا تزكيات لهم ونسبوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبَشَّروا أنَّهم في الجنة بنحو عام يشمل جميع الصحابة كما هي مباني القوم العقدية ، ولكن لمَّا كان الأمر بهذه الصورة عندهم فما الحاجة حينئذٍ إلى تضييق دائرة التبشير بالجنة لخصوص العشرة من الصحابة !!! ، علماً أنّ حديث العشرة المبشرة لم يكن معروفاً بين الصحابة فضلا عن القول بشهرته ، كما أنَّه لا دلالة له على إثبات مرجعيتهم ، ولذا لا نعرف أحداً منهم قد استدل به في تلك الأزمان لاثبات مرجعيته أو عدالته بالرغم من وقوعهم في أزمات حادَّة ومواقف حرجة يُمكن الإستفادة منه لإعلان تزكيتهم وتبرأة أحوالهم وبيان شهادة الرسول بحقهم وفضلهم وكسب ميول الناس إليهم للإنتصار في مواقفهم بدءاً من أحداث السقيفة وصيرورة أبي بكر حاكماً ثُمَّ انتقال السلطة منه إلى عُمَر وكذا إلى عُثمان ومحاصرته وقتله على أيدي الثائرين من الصحابة وأبنائهم من التابعين وعموم الناس وحتى رجوع الحق إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة وإثارة الحروب عليه من قبل الناكثين والقاسطين والمارقين ، فلم يكن أحد من الأطراف يستشهد بحديث العشرة المبشرة لتزكية نفسه ومواقفه أمام خصمه ودرأ الشبهات والتُهَم عنه بهذا الحديث وأمثاله .
ولو كان هذا الحديث له واقع صحيح لنقلته الكتب الأساسية من كُتب المسلمين كصحيحي البخاري ومسلم لِمَا يتضمنه من أهمية كُبرى وشهادة عُظمى لعشرة من كبار الصحابة إلا أنَّه لا عين له ولا أثر ليتأكد أنَّه من الموضوعات بل هناك ما يؤكد خلافه في الصحيحين وغيرهما ، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال(1) : [ما سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام] ، ويلزم من هذا النص نفي مضمون رواية العشرة إضافة إلى ذلك يُمكن التسائل : هل يُعقل أنَّ سعد بن أبي وقاص الذي روي أنَّه من العشرة المُبشرة لا يعلم أنَّه من العشرة ليروي النص الذي ذكره البخاري ومسلم ؟!!!  فتأمل .
وبالرغم من الإشكاليات في أسناد أحاديث العشرة المبشرة إلا أنَّنا نكتفي بالقول أنَّها رويت عن عبد الرحمن بن عوف والآخر روي عن سعيد بن زيد وكلاهما من العشرة فيكون بحسب مباني القوم أنَّهما يرويان ما يجر النفع لهما ولذا لا تُعتمد روايتهما وشهادتهما لأنفسهما ، وقد بنى القوم على ذلك حينما شهد علي بن أبي طالب لفاطمة الزهراء () بشأن فدك وقد ردّوا شهادته بدعوى أنَّها تجرّ نفعاً لهما ، فكيف والحال أن رواة حديث العشرة هُم من ضمن العشرة ؟!!! ، فيكون من باب أولى أن تجر النفع لرواتها مباشرة ، إضافة إلى وجود معارض لحديث العشرة في رواية البخاري ومسلم وبسندها أحد العشرة وهو سعد بن أبي وقاص .
ثُمَّ دلالة حديث العشرة لا يتطابق مع واقع جميع العشرة لأنَّه يتنافى مع مسلكيتهم لوجود الاختلاف الكبير في الفكر والميول والاتجاهات والتطبيقات التي لا يلتقي أحدهما مع الآخر في كثير من الأمور العقدية والتشريعية والإجراءات التطبيقية في عالم الدنيا ، فكيف والحال هذه يلتقون في الجنة ؟!!! ، في حين ينبغي أن يكون أهل الجنة في الأعم الأغلب من حياتهم التكليفية هو التوافق والتعاون وقبول أحدهما الآخر والانسجام والحب في الله والبغض في الله والعطاء في الله والمنع في الله والحرب في الله والسلم في الله ، وليس العصيان والنزاع والصراع والأثرة والسب واللعن والتكفير وإباحة أحدهما دم الآخر والدخول في حروب دموية يقتل أحدهما الآخر !! ، فكيف يكون القاتل والمقتول في الجنة وهم من العشرة المبشرة ، وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما حديثاً مطلقاً وبنص صريح أنَّ (1) : القاتل والمقتول في النار بما يشمل هذا النص العشرة المُبشرة بالجنة ؟!!! ، وكيف يكون الظالم والمظلوم منهم في الجنة ؟!!! ، وكيف يكون الهادي والضال في الجنة ؟!!! ، وكيف يكون المؤمن والمنافق في الجنة ؟!!! ، فهل يُعقل التسوية بينهم في المقامات مع وجود هذا التباين والتضاد والتناقض في منهجهم وسيرتهم ؟ ،  ولا يكون كلا الطرفين على حق أو على باطل ، كما لا يكون كلا الطرفين هادين أو ضالّين ، فلابد أن يكون أحدهما على حق وهداية والآخر على باطل وضلالة ، وأحدهم يدعوا إلى الجنة والآخر يدعوا إلى النار .

أين الحق بين الأطراف المتقاتلة ؟ .

 لمَّا كان لابد أن يقع الحق في طرف دون آخر لما ذكرنا فليس هناك أوضح حالاً بشأن القتال في حرب الناكثين والقاسطين والمارقين حيث خرجت هذه الأحزاب الثلاثة على طاعة أمير المؤمنين وخليفة رسول ربّ العالمين وإمام المتقين وأخي رسول الله () ونفسه ومن أهله الطاهرين الذين تجب مودتهم وموالاتهم والصلاة عليهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) الخليفة الشرعي فصارت هذه الأحزاب تُقاتله وتستبيح دمه ودم المؤمنين من الصحابة والتابعين وكان في جيشه أيضاً سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين () فخاض البغاة الضالّون حروبهم ضدّ الحق والعدل والشرع وخرجوا عن بيعة إمام زمانهم وسفكوا دماء المؤمنين و عاثوا فساداً في الأرض وضلّوا وأضلّوا بل منهم مَن لم يُبايع أصلاً وقد قال تعالى (1): [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا] ، وهل يشك مُسلم بإيمان وعدالة وشرعية موقف الإمام علي والحسن والحُسين (عليهم السلام) في قتالهم البُغاة الضالّين من الناكثين والقاسطين والمارقين ؟، وقد اتفق المسلمون في صحاحهم على أحاديث صريحة تُثبت فيها أنَّ مَن خرج عن طاعة الأمير فإنَّما يكون تحت راية عمية وميتتهم تكون ميتة جاهلية كما في النصوص المتفق عليها بين المسلمين مما ذكرنا سابقاً ، وفي السُنَّة الصحيحة الكثير مما ورد في حرب هذه الأحزاب الضالّة ، فقد ذكر الهيثمي في مجمعه عن أبي سعيد الخدري أنَّه قال(2)  :[ سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فقال : أبو بكر أنا هو يا رسول الله ، قال : لا ، قال عمر : أنا يا رسول الله : قال لا ، لكنه خاصف النعل ، وكان أعطى علياً نعله يخصفها ].
وأخرج البزَّار والطبراني وابن أبي عاصم وغيرهم عن علي قال(1) : [أُمِرتُ بقتال ثلاثة المارقين والقاسطين والناكثين] .
وأخرج الحاكم بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال(2) : [أمر رسول الله () علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين] .
وأخرج ابن مردويه (3)عن جابر بن عبد الله عن النبي () في قوله : (4)[فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ] نزلت في علي بن أبى طالب انه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي ] .
وعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ قَالَ (5) : [خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ () فَأَتَى مَنْزِلَ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَجَاءَ عَلِيٌّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ () : يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَذَا وَاللَّهِ قَاتِلُ الْقَاسِطِينَ ، وَالنَّاكِثِينَ وَالْمَارِقِينَ مِنْ بَعْدِي] .
وعن القاسم بن سليمان عن أبيه عن جده قال : سمعت عمار بن ياسر يقول (1) : [أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين] .
وعن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال (2) :[ أمرنا رسول الله () بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فقلنا يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمَعَ مَنْ ؟ فقال : مع علي ابن أبي طالب معه يُقْتَل عمار بن ياسر ].
ومما ورد أيضاً في السُنَّة من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حق أهل البيت (عليهم السلام) ما أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم والطبراني بسند عن زيد بن أرقم قال(3) : [قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي وفاطمة والحسن والحسين " أنا سلم لمن سالمتم ، وحرب لمن حاربتم] .
واخرج الحاكم بسنده عن أبي هريرة قال(4) : [نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : أنا حرْبٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم]، وقد أخرج الطبراني بسنده عن أم سلمة قالت(5) : [سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول : علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا على الحوض] .
وأخرج الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال(1) : [كنت مع علي  يوم الجمل فلما رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس فكشف الله عنى ذلك عند صلاة الظهر فقاتلت مع أمير المؤمنين فلما فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت أم سلمة ، فقلت : إني والله ما جئت اسأل طعاما ولا شرابا ولكني مولى لأبي ذر ، فقالت : مرحبا فقصصت عليها قصتي ، فقالت : أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قُلت : إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس ، قالت : أحسنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : علي مع القرآن مع والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا على الحوض] .
وأخرج الهيثمي بسنده عن محمد بن إبراهيم التيمي قال(2) : [.. سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : علي مع الحق أو الحق مع علي حيث كان ، قال : من سمع ذلك ؟ قال : قاله في بيت أم سلمة قال : فأرسل إلى أم سلمة فسألها فقالت : قد قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي ، فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قط ألوم منك الآن ، فقال : ولِمَ ؟ قال : لو سمعت هذا من النبي (صلى الله عليه وآله) لم أزل خادما لعلي حتى أموت] .
 وعن أبي ذر  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) :[من أطاعني فقد أطاع الله عزوجل ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد  عصاني] .
وعن أبي ذر  قال(2) : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : [يا علي ، من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا علي فقد فارقني]  .
وأخرج الحاكم النيسابوري بسنده عن جابر الأنصاري  يقول(3) : [سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب وهو يقول : هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثمّ مَدَّ بها صوته] .
وقد ورد أيضاً  في الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) : [أوحي إلي في علي ثلاث انه  سيِّد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين] .
والنتيجة واضحة في محاكمة هذه الحروب بين الصحابة وبالأخص بين ما يُسَمَّى بالعشرة المبشرة في الجنة كوضوح الشمس في رائعة النهار ولكن مع هذا ننزل إلى رغبة الجُهّال والمعاندين الذين يُشكِّكون  في نتيجة هذه المحاكمة وأمثالها فنقول لهم : لا يخلوا فيها الحال من أمور وهي :
إمَّا أن نلتزم أنَّ القاتل والمقتول كلاهما في الجنَّة استناداً إلى حديث العشرة المبشرة بالجنة بالرغم من وقوع المظالم الكثيرة والعدوان والمقاتلة بين هؤلاء العشرة كما هو ثابت قطعاً سواء كان من جهة القاتل أم المقتول ، وهذا يتنافى مع العقل القطعي وضروريات الدين الإسلامي ، إذ العقل يمنع منح الطرفان أجراً وثواباً على تلك الأفعال !!!، كما أنَّ هذا يُخالف قطعاً المبادئ والقيم الإسلامية العادلة في القضاء وأحكام الشريعة وضرورة تعيين جهة الحق والعدل والهدى لنصرتها وكذا تحديد جهة البغي والضلال لردعها ومقاتلتها ، فيكون وجوب ردع الظالم والضّال ومقاتلة الباغي المُحارب دليل واضح عقلاً ونقلاً على قبح هذه الأفعال وتجريمها وبالتالي فإنَّ جزائها جهنم وبئس المصير بمقتضى الأدلة القاطعة وبهذا لا معنى للقول أصلاً بمنح الظالم والباغي المحارب أجراً على ذلك بذريعة أنَّه اجتهد فأخطأ في قضية لا محلَّ للاجتهاد فيها وإلا فإنَّ القول بدخول الطرفين معاً الجنة مع ما هُم عليه من التباين والتضاد والتناقض يكون من الهرطقة في الكلام والسفسطة في الحوار .
وإمّا أن نلتزم بأنَّهما أي القاتل والمقتول كلاهما في النار استناداً لحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما مما ذكرنا فتشمل هؤلاء العشرة لما وقع بينهم من مقاتلة عظيمة سواء كان القتل بالمباشرة أم بصورة غير مباشرة ، وإذا حُكم عليهما بالنار فقد ضاع الحق والعدل والهدى بينهم بل يصبح لا قيمة لهذه العناوين في ميزان العمل والتقييم ، وهذا قول مخالف يقيناً لما ثبت بالضرورة أنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أهل البيت الطاهرين الذين تجب مودتهم وموالاتهم وطاعتهم والصلاة عليهم وأنَّهم الثقل الأصغر وأنَّ علياً أخو رسول الله ونفسه وأولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو يُمثل ميزان الحق والعدل والهدى وبه يُعرف المؤمن من المنافق والحق من الباطل وإنَّه أعلم الناس وأقضاهم بعد رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وأنَّه على حق ومن أهل الجنة يقيناً باتفاق المسلمين وإلى غير ذلك مما هو كثير جداً ، وحينئذٍ لا يصح عقلا ونقلاً الركون إلى هذا الالتزام الذي يجعل علياً (عليه السلام) في النار كما هو حال أعداءه وهو قول مخالف لإجماع المسلمين وضرورة الدين والعقل القطعي . 
وإمَّا أن نُمَيِّز بين الطرفين القاتل والمقتول والظالم والمظلوم .... فنتبع الجهة الشرعية منهما التي تُمثل الحق والعدل والهدى فيكون القاتل والمقتول من هذه الجهة في الجنة كما هو شأن عمّار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) : [ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار] ، ويكون القاتل والمقتول في الجهة الباغية الضالّة في النار وهذا هو المنطق الإسلامي العادل الذي خلق الجنة والنار وفرَّق بين أتباعهما وفق أسس موضوعية عادلة تحدث عنها القرآن الكريم في آيات  كثيرة ولا فرق في ذلك بين الصحابة وغيرهم .
ويُمكن أن نستشهد برأي الجاحظ في أمر الصحابي معاوية حيث قال (1) : [ثمَّ مازالت الفتن متَّصلة ، والحروب مترادفة ، كحرب الجمل، وكوقائع صفّين ، وكيوم النَّهْروان ، وقبل ذلك يوم الزَّابوقة وفيه أُسر ابن حُنيف وقتل حكيم بن جبلة . إلى أن قَتَلَ أشقاها عليَّ بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فأسعده الله بالشهادة ، وأوجب لقاتله النار واللَّعنة . إلى أنْ كان من اعتزال الحسن (عليه السلام) الحروب وتخليته الأمور ، عند انتشار أصحابه ، وما رأى من الخلل في عسكره ، وما عرف من اختلافهم على أبيه ، وكثرة تلوُّنهم عليه . فعندها استوى معاوية على الملك ، واستبدَّ على بقيّة الشُّورى ، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سَمَّوْه عام الجماعة وما كان عام جماعةٍ ! ، بل كان عام فُرْقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام الذي تحَّلت فيه الإمامة مُلكاً كسرويّاً ، والخلافة غصْباً وقيصريّاً، ولم يَعْد ذلك أجمع الضَّلال والفسق . ثمَّ مازالت معاصيه من جنس ما حكينا ، وعلى منازل ما رتَّبنا، حتَّى ردَّ قضيَّة رسول الله () ردّاً مكشوفاً ، وجحد حُكمه جحداً ظاهرا ، في ولد الفراش وما يجب للعاهر ، مع إجماع الأمّة أنَّ سُميَّة لم تكن لأبي سُفيان فراشاً ، وأنَّه إنَّما كان بها عاهراً ؛ فخرج بذلك من حُكم الفُجَّار إلى حكم الكفَّار] .

جملة من مواقف بعض العشرة : 

من العجب والغرابة بمكان أن يزعم أحد بأنَّ جميع هؤلاء العشرة في الجنة حينما ننظر إلى مواقفهم وأفعالهم ، ولو كان الحُكم فيهم كذلك فلماذا امتنع علي بن أبي طالب والزهراء () عن بيعة أبي بكر ؟ ، علماً أنَّ المتفق عليه بين المسلمين أنَّه مَن مات ولم يكن في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ، وهذا الأمر لا يخلو إمَّا أن تكون بيعة أبي بكر باطلة لا شرعية فيها أو أنَّ علياً والزهراء () قد ماتا ميتة جاهلية (حاشاهما) فهما أجل من أن يوضعا في هذا القياس والميزان ، وليس هناك مَنْ يُحْسَب على المسلمين مَن يشك أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) في الجنَّة بل هما سادة الجنَّة وفي أعلى المقامات فيها ، وهذا يكشف عن كون بيعة أبي بكر ليست شرعية يقيناً وإلاّ لماذا لم يُبايعاه أصلاً ؟ وقد خرجا عليه يُعنِّفانه بالقول ويطلبان حقوقهما التي اغتصبها منهما والتي لم يتنازلا عنها قط كما أثبتنا ذلك في بحوث سابقة حتى أنَّ الزهراء (عليها السلام) ماتت وهي غاضبة عليه وعلى عُمَر ، وغضبها كما هو معلوم في الصحاح هو غضب رسول الله وبالتالي يكون غضب الله تعالى فراجع ، وهكذا كان موقف علي (عليه السلام) اتجاه باقي الحُكّام ليكشف فيه عن واقع يتحدد به الحق والباطل والهدى والضلال ..  .
 ثُمَّ إنَّ تطبيقات أبي بكر فيها مخالفة صريحة لنصوص قطعية ثابتة لا يستحق عليها الجنة وهي مواقف عديدة منها ما ذكرنا من اغتصابه الخلافة في السقيفة واغتصابه حق الزهراء في فدك وكبسه دار فاطمة والعدوان عليها ثُمَّ تصفية معارضيه كما فعلوا بسعد بن عُبادة زعيم الأنصار بل أنَّه أرسل جيشاً بقيادة خالد بن الوليد على بني حنيفة الذين امتنعوا من تأدية الزكاة إليه لعلمهم بأنَّه ليس الخليفة الذي نصبَّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أنَّ خالداً عمل فيهم بالسيف وقتلهم ومثَّل في جثثهم وقتل زعيمهم مالك بن نويرة وزنا بامرأته وهم مسلمون يشهدون الشهادتين ويُصلون ولم يُنكروا أصل الزكاة ، ومع كل هذه الجرائم وغضب الصحابة الكبار على فعل خالد الإجرامي القبيح إلا أنَّ أبا بكر دافع عن خالد ومنحه حصانة كاملة .
 ولا ينتهي الحال بالعشرة المبشرة إلى حَد بل نجد أنَّ عُمَر بن الخطاب له مواقف كثيرة منها أنَّه الشريك الفاعل والأقوى في عموم مسيرة أبي بكر كما أنَّه لم يتقبل حقيقة أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد مات وأنكر ذلك وهدَّد بالقتل مَن يقول بموته ثُمَّ تراجع عنه بعد حين !! ثُمَّ أنَّه يشك في نفسه هل هو من المنافقين أم لا ؟!!! ، ولو كان يعلم أنَّه من العشرة المُبشرة بالجنة لمَا شكّ في نفسه ، ولكن هذا يكشف عن كون حديث العشرة من موضوعات مرتزقة بني أمية ، فقد روى أحمد في مسنده وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن أم سلمَة (1):[قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أصحابي مَنْ لا يراني بعد أن أموت أبدا ، فجاء عمر فدخل عليها ، فقال : أنشدك الله ، أنا منهم ، قالت : لا ولا أزكي أحدا بعدك أبدا ، فبكى عمر ].
وأخرج ابن عساكر وغيره بسنده عن حذيفة قال(2) : [مَرَّ بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد فقال يا حذيفة إن فلانا قد مات فاشهده ، قال : ثم مضى حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وأنا جالس فعرف فرجع إلي فقال : يا حذيفة أنشدك الله أمِنَ القوم أنا ، قال : قلت : اللهم لا ولا ، لن أبرئ أحدا بعدك ، قال : فرأيت عيني عُمر جاءَتا].
وقيل أنَّ الرجل الذي مات ولم يصلي عليه حذيفة هو أبو بكر .
وفي رواية أخرى لأبي يعلى واحمد عن أم سلمَة (1): [دخل عليها عبد الرحمن بن عوف ، قال : فقال : يا أمه قد خفت أن يهلكني كثرة ما لي ، أنا أكثر قريش مالا ، قالت : يا بني انفق ، فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ] .
ثُمَّ لمَّا كان عثمان بن عفان من العشرة المبشرة بالجنة ، فكيف يُحرِّض كُل من طلحة والزبير وغيرهما على حصاره والثورة عليه وقتله وقد ساهموا في ذلك مساهمة فاعلة وهم أيضاً من العشرة المبشرة ؟!!! ، كما ان عثمان انحرف في حاكميته عن مسار الكتاب والسنة حتى ثار عليه المسلمون وقتلوه ، والمواقف كثيرة بين العشرة المبشرة بالجنة . 
ثُمَّ كيف يشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لطلحة بالجنة وقد آذاه طلحة وتوعده بأن يتزوج إحدى نساءه (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته حتى نزل فيه قوله تعالى(2) : [وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا] .
فقد أخرج ابن أبى حاتم عن السدي قال(3) : [بلغنا إن طلحة بن عبيد الله قال : أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت هذه الآية] .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال(4) : [قال طلحة بن عبيد الله : لو قبض النبي (صلى الله عليه وآله) تزوجت عائشة  فنزلت : وما كان
لكم أن تؤذوا رسول الله الآية] .
وأخرج ابن سعد عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال(1) : [نزلت في
طلحة بن عبيد الله لأنه قال : إذا توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوجت عائشة] .
وأخرج البيهقي في السنن عن ابن عباس قال(2) : [قال رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) لو قد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوجت عائشة أو أم سلمة فانزل الله وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله الآية] .
وإلى غير ذلك مما ذُكر بشأن توجهات وأعمال وحروب العشرة المبشرة بالجنة الذي لا يخرج هذا الحديث يقيناً عن دائرة الوضع والكذب لمخالفته الكتاب والسُنَّة والعقل القطعي .

ولكي لا نُعَطِّل الكتاب و السنَّة

وبرغم الواقع المكشوف لمسيرة الصحابة إلا أنَّ بعض المسلمين ممن يعتمدون مرجعية الصحابة لا يُفرِّقون فيهم بين ما إذا كانت صُحبتهم حسَنَة أو صُحبتهم سيئة بل جعلوا لمن صَحِبَ الرسول (صلى الله عليه وآله) مطلقاً تزكية لهم بحيث يلزم منها عملياً عدالة جميع الصحابة حتى لو فعل الصحابي ما فعل !، ولذا فإنَّهم يجدوا له الذرائع والمسوِّغات كالإجتهاد الذي ينال به المخطئ عليه أجراً حتى لو مات وليس في عنقه بيعة لإمام زمانه أو قاتل إمامه الشرعي وأباح دمه وسفك دماء المسلمين من الصحابة والتابعين وغيرهم وبالرغم من ذلك كلّه فإنَّ صُحبته للرسول (صلى الله عليه وآله) تعصمه من دخول نار جهنم بحسب زعمهم باعتبار أنَّه من أهل الهجرة وأصحاب بيعة الشجرة وأصحاب بدر و... بل تعَدّى الحال إلى الطُلقاء والمؤلفة قلوبهم والأعراب أيضاً فشملهم هذا الحكم الباطل من دون أن يُمَيِّزوا بين نيل شرف الصُحبة لمن أحسن الصُحبَة وبين مَن أساء الصُحبَة ، وكذا لم يُدركوا أنَّ شرف الصُحبَة مهما علَت مرتبتها لا تكون عاصمة عن نيل العقوبة الدنيوية والأخروية لمن يستحقها من الصحابة كما ثبت في الصحاح أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) لا يُغني عنهم من الله شيئا فإنَّ الإنسان مرهون بعمله ، وقد قام (صلى الله عليه وآله) بتطبيق الحدود على جملة من الصحابة من دون أن تشفع لهم صُحبتهم وهجرتهم ونصرتهم وحضورهم بيعة الشجرة وبدر وغيرها كما في أصحاب الإفك وبعض مَن نالهم الحَد الشرعي بمختلف أسبابه ، ويكون تطبيق الشريعة لقانون الجزاء والعقوبات في عالم الدنيا ليس بأولى من تطبيقه في عالم الآخرة ، إذ النصوص القطعية من الكتاب والسُنَّة في الجزاء والعقاب يوم الآخرة واضحة الدلالة ولا تختص بطبقة من الناس المسيئين دون طبقة أخرى ، وإذا ما فَلَتَ المسيء من العقاب الدنيوي بالكذب والحيلة والهرب أو عدم ثبوت تمام الحجة عليه إلا أنَّه لا يفلت من أن تناله العقوبة الأخروية من لدن العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية ولا تضيع عنده الحقوق وهو شديد العقاب ، ولو كانت الصُحبة مانعة من العقاب ودخول النار في يوم القيامة لما ثبت في الصحيح المتواتر من أخبار النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّ غالبية صحابته يدخلون النار يوم القيامة ولا ينجو منهم إلا القلة القليلة كهَمَل النعم كما في أخبار الحوض والأثرة والأمراء ولا ترجعوا بعدي كفّارا والارتداد ومحاربة علي بن أبي طالب وغيرها مما ذكرناه فراجع ، وأمَّا مَن يتذرع للصحابة بأنَّهم اجتهدوا فأخطئوا فإنَّه لا يدفع عنهم نار جهنم ، ولو كان الصحابة جميعهم في الجنة بالوعد الإلهي وصك الغفران لما كانت هناك حاجة من قبل أتباع مرجعية الصحابة لخلق ذرائع لهم هي خارجة عن نواميس الطبيعة كما في منح الباغي والفاسق والفاجر والمجرم القاتل ومَن ليس في عنقه بيعة لإمام هدى أجراً على أعمالهم ، ولا تقدح هذه الأمور في عدالتهم وبالتالي يدخلون الجنة !.
إذن ما فعله المنحرفون من الصحابة من قبائح ومنكرات وبدع وفتن وانقسامات وحروب وخروج على إمام زمانهم فإنَّها تُدرج في إطار الاجتهاد ويُمنحون جائزة على ذلك وهو أجر واحد ويدخلون الجنة بخلاف المصيب الذي هو على حق فإنَّه يُمنح أجران ويدخل الجنة ، فأصبحت هذه المعادلة الخارجة عن نظام الشرائع السماوية وإدراك العقل السليم هي الأساس المعتمد في حركة أتباع مرجعية الصحابة النظرية والعملية ، وبالرغم من فساد وانحراف وبطلان هذه المعادلة يقيناً إلا أنَّهم مارسوا الغلو في هذا الاتجاه المنحرف وصاروا يدينون به لدوافع مذهبية وعصبية قبلية ومصلحة سياسية ودنيوية ولحفظ تُراثهم الذي بُني أساسه وارتفع بتدبير هؤلاء المنحرفين من الصحابة ، ولذا يخشى أتباعهم من هدم وتخريب هذا التُراث إذا ما لجئوا إلى ميزان الحق والعدل في تقييم الرجال وغربلة هذا التراث ، ولكنهم للأسف رضوا لأنفسهم ولأجيالهم هذا المسَار وعقدوا عليه الولاء من دون مراعاة الحقوق والضوابط التي تُنجيهم من المساءلة والعقاب ، وإلا فما الداعي للمسلم أن يتستر على موبقات وكبائر وبدع وبغي ونفاق كثير من الصحابة ؟ في حين أنَّ كثيراً منهم لفاسقون وظالمون ومنافقون ومرتدون كما أنَّ الكثير منهم لا يفقهون من العلم والمعرفة في عموم مسائل الدِّين والدنيا ولم يُعرف عنهم في أوساط الصحابة أنَّهم من العلماء فضلاً عن  كونهم من المجتهدين في مسائل الشريعة والعقيدة ، وحينئذٍ كيف لهم أن يجتهدوا ؟ ! ، ومَنْ أجاز لهم ذلك ؟! ولكنهم خرجوا عن حدود الشريعة ومارسوا نظاماً وضعياً فيه مخالفة صريحة لنصوص قرآنية محكمة وسنَّة ثابتةً وبالتالي استمكنوا من حاكمية المسلمين وصار الحل والعقد بأيديهم فَشَروا ذمم الكذبة من الرواة ليضعوا لهم روايات فيها فضائل ومناقب لهم ولرموزهم كما وضعوا روايات الذم والتجريح في خصومهم ، إضافة إلى الرواة فقد صنعوا لأنفسهم فقهاء يُمثلون السلطان والدولة ليُشَرِّعوا لهم ما يشتهون من أحكام حتى أصبحت هذه السيرة راسخة يتوارثها أبنائهم وأتباعهم جيلاً بعد جيل إلى أن وصلت إلى حُكّام المسلمين اليوم وأصبح الطغاة والسفهاء والمنافقون والصبيان متسلطين على حاكمية الدولة يُقَلِّبوها كيفما يشاءون ، وقد أسَّسوا عبر الزمن مباني أصولية وفقهية يعتمدوا قول الصحابي بل أجازوا العمل ببدعة الصحابي وقد فسَّروها على أنَّها بدعة حسنة بالرغم من كونها لا أصل لها في الشريعة كما واعتمدوا في استنباط الأحكام على الظنون المحرمة كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والمقاصد المستنبطة .
ولم يكن ليستمكن هؤلاء من الأمة لولا انقلاب السقيفة وقد استلموا السلطة بطريق الترغيب والترهيب والحيلة وأسّسوا أساساً مَهَدّوا فيه لتمكين أتباعهم من العناصر المناوئة للإسلام والمسلمين من التصدي لحاكمية بلاد المسلمين كما في تولية الصحابي معاوية بن أبي سفيان للشام وما جَرَّ ذلك على المسلمين من ويلات عظيمة وقد جعل الخلافة مُلكاً عضوضاً في بني أمية امتداداً لتلك الطبيعة العصبية القبلية التي أسَّس لها أرباب السقيفة في حاكميتهم التي نصَّ فيها أحدهم على الآخر من دون مشورة ولا روية ولا مستندٍ شرعي ، إلى أن وصل الحال بالأمة أنَّها لم تجد طريقاً للخلاص من أزماتهم وفتنهم وبدعهم وضياع حقوقهم إلا بقيام ثورة شعبية عارمة استهدفت رأس السلطة آنذاك وهو عثمان بن عفان فقتلته وأسقطت حكومته ولم تجد الأمَّة مخرجاً لها إلا بإرجاع الحق الشرعي بالخلافة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فنزلوا جميعاً لبيعته بيعة عظيمة لم يشهد لها التأريخ إلا ما كانت بيعته الأولى في غدير خُم تحت رعاية الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكنَّ السيرة العادلة والمواقف الرسالية له لم تروق لكثير من الأصحاب الذين كانوا يطمحوا أن تسير الأمور وفق أهوائهم ورغباتهم الدنيوية وسرعان ما انقلبوا عليه ونكثوا بيعته وحدثت الحروب عليه لإشغاله عن أداء دوره في الإصلاح والبناء ، وقد مارس الصحابة الطلقاء ومن تابعهم دورهم التخريبي ، فكما حاربوا القرآن وأهله على تنزيله في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) فإنَّهم حاربوا القرآن وأهله على تأويله في زمن الخلافة الفعلية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) مع ممارستهم النفاق والدجل بأبشع صوره في عهد الحُكّام الثلاثة ، وبهذا البيان فإنَّ الصحابة عموماً لابد أن يخضعوا لميزان الجرح والتعديل لوقوعهم في انقلاب وفتن وشبهات وصراعات وحروب وتكفير بعضهم بعضاً وتفسيق بعضهم بعضاً ولعن بعضهم بعضاً مما دعا ذلك كُلّه إلى وجوب غربلتهم وتمييزهم وإحراز عدالة الرواة منهم ، كما لابد من عرض مروياتهم على الثقلين والخليفتين المعصومَين وهما الكتاب والعترة لكي يتم فرزها وطرح ما روي خطأً وجهلاً وكذباً .
ومن هنا كان لابد للحفاظ على الرسالة والرساليين من أيدي الطغاة والسفهاء والفُسَّاق والضالِّين أن لا تُعطّل الآية القرآنية العامّة في الصحابة وغيرهم في قوله تعالى(1) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] ، فيكون العمل بها طريقاً لفرز وطرح هذه الأصناف السيئة التي تعبث بمصير الأمة وشريعتها ، ولكن هذا الفرز والطرح وحده غير كافِ لحفظ الدِّين بل لابد من تفعيل واقع المرجعية الرسالية المنصوص عليها في الحديث الصحيح المتواتر الدال صراحة على تحديد المرجعية للمسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بالكتاب والعترة لتكتمل بذلك دائرة العمل الرسالي بالحق وتتحقق الطاعة المطلوبة لله تعالى ولرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) ، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم)(2) في بيان تلك المرجعية بقوله : [إنِّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلُّوا بعدي ؛ أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما].
ولذا ينبغي على الأمَّة أن تسلك طريق الحق من أجل النجاة بأنفسهم من الانحراف والضلالة حيث لا طريق أوضح حدوداً ومعالماً وأعمق أصالة وأصدق أنباءً وأسلم مسلكاً وأحق منهجاً وشريعة من طريق مرجعية أهل البيت () فإنَّهم أهل الذكر والراسخون في العلم الذين طهرهم الله تطهيرا وأوجب مودتهم وفرض الصلاة عليهم وجعل ولايتهم ومتابعتهم ومحبتهم طاعة لله ورسوله لتكون جُنَّة من النار ... وبذلك يجب أن لا تُعطَّل الآية الكريمة عن العمل بها وكذا الحال في حديث الثقلين فإنَّهما ركنان أساسيان في معرفة الخطوط العريضة للإسلام الأصيل ورجالاته العدول الثقاة فافهم  .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦ بإمكانكم مراجعة الكتاب للإطلاع على الهوامش والتعليقات ومصادر الروايات .

no image

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك