23‏/10‏/2020

إدارة الموقع

تهمة التكفير


 تهمة التكفير 

................................ 

أجمعت الأمة الإسلامية على تكفير النواصب، ومَنْ أنكر ضروري من ضروريات الدّين جحوداً، وهو مصداق لقوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) النمل / ١٤.  وهؤلاء ممن لا يُحتمل في حقهم الوقوع في الشبهة.

كما أجمعت الأمة على حرمة المسلم في دمه وماله وعرضه، والمسلم بحسب ظاهره مَنْ تشهد الشهادتين وأدّى الواجبات واجتنب المحرمات ، فتحل ذبيحته وتجوز مناكحته ويُحكم عليه بالطهارة رغم تصنيف القرآن الكريم للمتشهد بالشهادتين إلى مسلم ومؤمن كما في قوله تعالى :  (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ) الحجرات /١٤.

فالايمان إنما ينعقد في القلب قوامه الإخلاص لله والتصديق بكل ما أوحى إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والإيمان له مراتب متعددة يزيد وينقص.

أما الإسلام فهو وصف يُعْرَف من الظاهر كما ذكرنا إلا أنه لا يبلغ مرتبة الإيمان، إذ ليس كل مسلم مؤمناً حقّاً وصدقاً؛ لأن حاله قد يكون كحال مَنْ أسلم خوفاً من البأس كما أسلم الطلقاء من قريش يوم فتح مكة، وأيضاً كحال مَنْ أسلم خوفاً وطمعاً كالأعراب الذين ذكرهم الله في هذه الآية، إلا أنّ وجود صفة الإيمان عند قوم لا يُلغي عن الآخر صفة الإسلام إلا إذا خرج عنه بالردة أو صار ناصبياً أو أنكر الضروري جحوداً ، فتأمل.

فالتكفير موجود في جميع الأديان والشرائع وأسبابه متعددة، وهو تعبير متداول في الكتب السماوية والوضعية واستعماله شائع بين فقهاء الأديان والمذاهب ، ولا ينحصر بفئة دون أخرى، إذ إنّ معناه اللغوي هو الستر والتغطية، واستعير هذا ليستدل به على الجحود لأنعم الله تعالى وسترها وعدم الإعتراف بها ، وهذا ينطبق على مواقف البشرية جمعاء بنحو يصف أحدهم الآخر بالكفر لعدم إيمانه بجملة من معتقداته، ولذا لا يخرج المسلم عموماً عن دائرة هذه اللغة التكفيرية. 

ومن هنا قد يُطلق الحكم بالكفر على المسلم ليس لإخراجه عن دائرة الإسلام بل يُراد إخراجه عن دائرة الإيمان لعدم إيمانه ببعض المعتقدات، وهذا ما ينبغي فهمه حيث أنّ التكفير ليس في قبال الإسلام حتى تستباح حرمة المسلم والعياذ بالله تعالى ، بل التكفير في قبال الإيمان لعدم إيمانه بمعتقدات معينة وبما لا يخرجه عن الإسلام، وهذا يجري بنحو متبادل بين مذاهب المسلمين بل بين عموم الأديان. 

ولذا فالتعامل مع المخالفين - السنة - في الدنيا على أنهم مسلمون ظاهراً وواقعاً، وتجري على ذلك معهم كافة الأحكام واللوازم، وأما أمر الآخرة فموكول إلى رب العباد لاطلاعه على النوايا وحقيقة الإيمان لكل فرد منهم فيضعه فيما يستحق من تصنيف وجزاء ، وبالتالي لا يصح لنا أن نصدر أحكاماً تفصيلية مسبقة على جميع المخالفين إذ منهم المستضعفون، وطلاب الحقيقة ممن لم تصلهم الحجة، ومنهم الملتزمون بمودة أهل البيت عليهم السلام ونحو ذلك ممن يُمثلون الأغلبية. 

وعليه فتهمة الشيعة بالتكفير لا جدوى منها بعد ثبوت حكمهم بإسلام المخالفين وترتيب إجراءاتهم الشرعية على وفق ذلك، كما لا موجب لإشاعة هذه التهمة الباطلة عليهم إلا إذا كانت تهدف للتشهير والتسقيط والتضليل والتغرير بالجهل وإثارة فتنة ذات دوافع مؤدلجة. 

ومن هنا لا يصح الإلتفات إلى الفهم الخاطئ والآراء الشاذة المخالفة للإجماع حيث لا اعتبار لها، وبالتالي لا تكون قادحة بالإجماع، وهذه الآراء التكفيرية بالمعنى الذي يسلب الإسلام عن الآخر كما يفعله خوارج الأمس واليوم ليس لها صفة علمية وشرعية، إذ المقتضي للتكفير مفقود كما إنّ المانع منه موجود، وعليه لابد من مراعاة الهوية الإسلامية لكل مَنْ نطق الشهادتين ولا يخرج عنها إلا بوجود أسباب موضوعية قد أجمع عليها المسلمون تبعاً للأدلة المعتبرة.

 ولذا ينبغي لمن يتصدى للنطق باسم الإسلام أو المذهب أن يكون عارفاً بأصول الصناعة، تقياً، ورعاً، لا يكذب ولا يُدلّس، ولا يُثير فتنة، حكيماً في اختيار كلماته، وواعياً لآثارها سلباً أو ايجاباً وإلا ينطبق عليه صفة المذيع، والأحمق، ومن روّاد الفتنة، بل مصداق من مصاديق قول الإمام الحسن العسكري عليه السلام : (ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا، وينتقصون [بنا] عند نصابنا، ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله [المسلمون] المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم .

وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال، وللمسلوبين عند الله أفضل الأحوال لما لحقهم من أعدائهم.

وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب) .

وقول الإمام العسكري عليه السلام أيضاً : ( اِتَّقُوا اللّهُ وَکُونُوا زَیْناً وَلاتَکُونُوا شَیْناً، جُرُّوا إلَیْنا کُلَّ مَوَّدَةٍ، وَاَدْفَعُوا عَنّا کُلَّ قَبیحٍ) .


ابو الحسن حميد المقدس الغريفي

النجف الأشرف

من جوار مرقد امير المؤمنين عليه السلام 

٤/ ربيع الأول/ ١٤٤٢ هجرية

 تهمة التكفير

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك