2‏/5‏/2025

ابو زينب

أجوبة على مسائل مستحدثة حول الحج والذكاء الاصطناعي موجهة لسماحة السيد من تونس

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله السادات العرفاء والأئمة النجباء.
سماحة العلامة الفقيه السيد أبو الحسن حميد المقدّس الغريفي ـ دام ظله الوارف ــ
من أبنكم الدكتور السيد وليد بن عز الدين الهمّامي ــ جامعة الزيتونة بتونس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
إلى حضرة السيّد الهمام ، البحر الفهام ، الحبر الإمام ، حرسكم الله تعالى بجميل حفظه وعنايته، وسدد الله خطاكم ، ورفع شأنكم وشأوكم في الخافقين.
أما بعد فهذه أسئلتي لحضرتكم الشريفة أرجو أن تفتوني مأجورين :
1 / مشكلة الاحرام بالنسبة للوافدين إلى جدّة بالطائرة؟
فضيلتكم تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جعل مواقيت زمانية ومكانية للحج (رابغ، الجحفة...) ولا خلاف في لزوم الإحرام للمارّ على أحد المواقيت هذه، ولو أخّر الإحرام لزمه الرجوع للميقات إذا كان أرضياً، ولكن هل يلحق به المرور الجوي البعيد المحاذي للميقات؟ وعليه، فكيف تتحقق المحاذاة؟ وكيف يتم الإحرام في هذه الحالة ؟
2/ كما تعلمون سيدي أنّ الشّيخ محمد الطاهر ابن عاشور صرح بجواز الإحرام من جدّة، ولكن لم يرد في جدة نص كميقات مستقل ؟ فهل ما ذهب إليه سماحته من اجتهاد يُعتَبَر صائباً أم لا؟ وهل له مستند حُكمي قوى؟ 
3/ أصدر مفتي ليبيا الشيخ صادق الغرياني فتوى بالاكتفاء بأداء مناسك الحج والعمرة مرة واحدة دون تكرارهما، معتبراً في الزيادة عن ذلك الحد آثاماً أكبر من المنافع ، لكون الأموال المدفوعة في هذين المنكين يؤول قسم منها إلى أعداء المسلمين، والأحق دفعها للفلسطينيين .
أ . فهل ما ذهب إليه مفتي ليبيا صائب أم لا ؟
ب . وما حجية نفي الفتوى أو اثباتها ؟
ج . وما رأيكم في هذه الفتوى من الناحية الشرعية ؟
4 / وما حكم الاستغناء عن أداء منسكي الحج والعمرة والتبرع بهاته الأموال للفلسطينيين أو أن تصرف في أي وجه من أوجه الخير الأخرى ، والحال أن هاته الأموال تمول بها أعداء المسلمين كالصهاينة وغيرهم ؟ ولعلمكم الشريف أن منسكي الحج والعمرة لن يعطلا وعمارة الحرم فرض كفاية ، فأهل تلك البقاع (أي سكان مكة والسعودية والخليج) هم عماره .
5 / يعد الذكاء الاصطناعي أحدى التكنولوجيات الحديثة التي اكتسحت مختلف مجالات الحياة المعاصرة وتعددت استعمالاته واستخداماته ، فما حكم الشرع من هذه التكنولوجيا والوظائف المنوطة بها والمجالات المستخدمة ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب:
إلى ولدي العزيز الدكتور الفاضل وليد بن عز الدين الهمامي التونسي حفظه الله تعالى وشمله بعنايته وسدَّده إلى كل خير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أولا : المرور الجوي المرتفع فوق الميقات لا يلحق بالمرور الأرضي، وعليه لابد إما من النزول في مطار جدة والذهاب إلى الميقات للإحرام منه، وإذا لم يتيسر له ذلك فيمكنه الإحرام بالنذر من جدة، حيث ينذر في مطار بلده أو في الطائرة فيقول : (لله عليَّ أن أحرم من جدة إن وصلتها سالماً).
فإذا نزل في مطار جدة يلبس الإحرام ويعقد نية الإحرام ويشرع بالتلبية.
ويجب أن يتقي السفر من جدة إلى الحرم نهارا وهو محرم تجنبا للتضليل عن الشمس داخل السيارات المسقفة، وكذا السفر ليلا إذا كان الجو ممطراً.
وكل مكلف يتبع مرجعه في التقليد لاختلافهم في مسألة التضليل.
ثانياً : جدة ليست من المواقيت المحددة ولا محاذية للميقات ؛ ولذا لا يجوز الإحرام من جدة إلا بنذر صحيح كما ذكرنا.
ثالثاً : من غير المعلوم يقيناً أن أموال الحجيج حصراً تذهب إلى الأعداء المحاربين للمسلمين وإنما لدى الجهات الحكومية موارد أخرى وهي كثيرة كالنفط والصناعة والتجارة والزراعة وغيرها، وقد نُقل عنهم أن أموال الحجيج إنما تُصْرَف على توسعة الحرمين واعمارها وخدماتها وعُمّالها وما إلى ذلك.
ثم إنه لا دليل محكم على أن أداء مناسك الحج والعمرة للمرة الثانية يكون آثماً لمجرد احتمال أن ينتفع الأعداء من أموال الحجيج، فدليل الاستحباب ثابت بعنوانه الأولي ولا إشكال فيه، وأما كون الإثم أكبر من النفع فيما زاد عن الحجة الأولى لذهاب قسم من الأموال إلى الأعداء لا يخرج عن كونه احتمالا، ومجرد الاحتمال لا يرقى لأن يكون حاكماً على العنوان الأولي وهو الاستحباب.
ولكن لا يمنع من القول بأن صرف أموال الحج والعمرة الثانية على المستضعفين من المسلمين الفلسطينيين أولى من الذهاب بها إلى الحجاز لأداء مناسك مستحبة دفاعا عن المسلمين ونصرة لهم، والجمع بين أداء الحج والعمرة المستحبة ودعم الفلسطينيين بالمال أفضل، وبالتالي لا يصل الأمر إلى الاثم كما قيل.
وعليه ينبغي التفريق بين القولين وبيان التفصيل فيه.

رابعاً : لا يصح توجيه المكلفين المستطيعين ممن أستقر عليهم الحج إلى عدم الذهاب إلى أداء مناسك الحج والعمرة، فهو فرض يجب امتثاله على المستوى الشخصي كالصلاة والصوم والزكاة، فإن التحريض على عدم الذهاب إلى الحج مما يؤدي إلى تعطيل هذه الشعيرة العظيمة ولو على المستوى البعيد، كما يبقى الحج متعلقا بذمة المكلف إذا ترك أداء هذه الفريضة، وهذا خلاف الحث والترغيب على أداء المناسك وإفراغ الذمة من هذا التكليف.
فالذريعة للمنع ليست يقينية ثابتة كما أنها ليست صائبة، أضف إلى ذلك لا يمنع أن يؤدي المسلم زكاته وباقي الصدقات الواجبة والمستحبة وانفاقها على المستضعفين الفلسطينيين مع ذهابه أيضا للحج فيجمع بين الخيرين.
خامساً: الذكاء الاصطناعي من الوسائل الحديثة التي يمكن الانتفاع منها كعامل مساعد في مختلف العلوم التقنية والمعرفية ولا بأس بذلك شرعاً ما لم يستعمل في الحرام أو يُتخذ كمصدر للتشريع.
ومما ينبغي علمه أنّ الذكاء الاصطناعي إنما يعتمد في تحليلاته وتنبؤاته ونتائجه على طبيعة ونوعية البيانات التي يتم تغذيته بها والتي غالباً ما تكون معلومات وبيانات قاصرة عن الإحاطة بالعلوم والمعارف العقدية والشرعية، بل يتردد كثيراً في تشخيص الموضوعات التخصصية الشرعية مما يستدعي طلب الاستزادة بالمعلومات كما عملنا على تجربته.
وبالتالي فالذكاء الاصطناعي لا يشكل مرجعية شرعية ولا دليل على حجيته وحجية نتائجه؛ لأن الأصل فيه عدم الحجية ولثبوت قصوره عن الإحاطة بالمباني والأدلة وحركتها داخل المنظومة التشريعية وتعاملاتها الحياتية مادة وروحاً لتحصيل ما هو المناسب بين الحكم والموضوع، كما أنه يعجز عن فهم طرائق الاستدلال المختلفة وآلية عملها وأولوية بعضها على بعض في الاعتماد أو التقديم كما في حالات التعارض والتزاحم والعناوين الأولية والثانوية، مع بقائه محتاجا دائماً إلى تغذيته بالمعلومات عند توقفه واستفهامه لمحاولة استدراك ما فاته أو تصحيح ما وقع فيه من اشتباه أو خطأ فضلاً عن  عدم الوثوق بالمصادر والأصول التي استند عليها في تغذيته.
ومع ذلك تبقى نتائجه في ضمن الدائرة الشرعية الاستنباطية كعاملٍ مساعد في توسيع دائرة الاحتمالات والشواهد مع عدم حجية البناء عليها واعتماد آثارها ؛ لأن الذكاء الاصطناعي ليس عنصراً بشرياً مكلفاً ومجتهداً جامعاً للشرائط ليكون حجة في المقام يصح الرجوع إليه في معرفة أحكام الشريعة.


أجوبة على مسائل مستحدثة حول الحج والذكاء الاصطناعي موجهة لسماحة السيد من تونس

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك