بقلم / السيد زين العابدين المقدس الغريفي
الحوزة العلمية في النجف الأشرف
لا يخفى إن الإنسان منذ نشأته الأولى خلق مفطوراً على التفكير مما جعله ينظر حوله ويتساءل عن كثير من الظواهر والحوادث الكونية وأسبابها وعللها التي أوجدتها ، حتى أدى به إلى ظهور مجموعة من الفرضيات والنظريات التي يمكن من خلالها الإجابة على هذه الإشكاليات ، وهي تتنوع بتنوع المعرفة التي يستقي منها الإنسان آراءه ومبانيه في نظرته إلى الكون ،
فمن أستقى معرفته من خلال التجربة استطاع أن يحل بعض هذه الإشكاليات إلا أنه تبقى معرفته ناقصة حيث أن التجربة مهما تطورت واتسعت تبقى محدودة ومقتصرة في اطار بعض المعارف المحسوسة فلا تستطيع تفسير الكثير من المعارف والقضايا الضرورية من قبيل اللذة والألم والحب والبعض ونحوها ــ فضلاً عن غيرها ــ فإنها مما لا مشاهدة لها في الخارج فلا تخضع للتجربة والحس ولهذا كانت المعرفة التجريبية قاصرة عن إدراك جميع الحقائق وتفسيرها ، كما إن الإقتصار على المعرفة التعبدية يؤدي إلى إلغاء دور العقل مما يؤدي إلى الركون إلى الدور الباطل فلا يمكن الإستدلال على صحة دين أو معتقد أو فكرة من خلال الإستناد إلى نفسه وذاته بل لابد من إقامة البرهان على صدقه من خلال العقل ، ولهذا كانت المعرفة العقلية البرهانية هي الحاكمة والمهيمنة على جميع المعارف بحيث يمكن من خلالها تفسير كثير من الظواهر التي تعجز التجربة أو غيرها عن تفسيرها .
ولأجل ذلك فإن الأساس الذي لابد من بناءه قبل الخوض في الحوار مع (الملحد) أو (اللا أدري) أو (المشكك) في أفكاره وأطروحاته هو تحديد نوع المعرفة التي يمكن أن يستقي منها تفكيره .
وإذا علمنا ذلك فإن من أهم الشبهات التي يلقيها الملحدون بين الحين والآخر هي : إن وجود الشرور والآلام يدل على عدم وجود الخالق بتقريب : إن الخالق إذا كان موجوداً فيلزم منه أن يكون ظالماً بلحاظ قيامه بخلق الشرور وتعذيبه لخلقه وهو قادر على إزالة العذاب عنهم ، فَلِمَ يقوم بخلق الأعاصير والفيضانات والحرائق ونحوها من المصائب والبلايا التي تؤدي إلى كوارث بيئية ؟؟!! ولِمَ يخلق أطفالاً مشوهين ؟؟!! بحيث يؤدي إلى إيذاههم وإيذاء أهلهم ، ولِمَ يخلق الأمراض المستعصية كالسرطان والإيدز التي تؤدي إلى موت الإنسان وهلاكه ؟؟!! ، ولِمَ يقوم بخلق مدن عامرة بشتى أنواع الخيرات ومدن تفتقر لأدى مقومات الحياة ؟؟!! ، فكل هذه التساؤلات وأمثالها يطرحها الملحد لغرض إثبات أحد أمرين : إمَّا عدم وجود الخالق جل شأنه أو أنَّه موجود ولكنه ظالم وبالتالي لا يكون صالحاً ولا مستحقاً للعبادة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
على إن هذه الشبهة من المغالطات الكبيرة التي لها جذور قديمة نتيجة لحصول التصور والفهم الخاطئ لأصل الخلق وحقيقة الشرور ، ولهذا فقد تاه بعض الناس نتيجة لذلك حتى تصور ضرورة وجود إلهين أحدهما للخير والآخر للشر كما ذهب إليه المانوية وغيرهم لإيمانهم بعدم إمكان نسبة الشر إلى الإله الجامع لصفات الكمال والجمال ، فإن وجود الشر عندهم يتنافى مع العدل المطلق عند هذا الإله ولذا قالوا بإن الشر يصدر من شريكه ، وقد رد عليها قديماً الأئمة المعصومون عليهم السلام وعلماء الإسلام بالدليل والبرهان العقلي ، وقد جاءت النصوص الشريفة من الكتاب والسنة في الرد عليها وبيان وهنها وفساد مقدماتها .
وقبل الجواب على هذه الشبهة لابد من بيان إن هذه الشبهة مهما إستحكمت لا تدل على عدم وجود إله أو عدم عدالته ، لإنه قد ثبت بالدليل العقلي القطعي بما لا يقبل الشك وجود إله عادل حكيم وفقاً لمبدأ العلية ووجود الأثر ونحوها فغاية ما يقال : (إنها شبهة في قبال بديهة) فيما إذا استعصى على الإنسان حلها ، إذ لابد من التوفيق بينها وبين العدالة الإلهية حتى لا يشتبه الأمر على بعض البسطاء .
وفي معرض الجواب على هذه الإشكالية لابد من تقسيم البحث على مطالب أربعة :
[ المطلب الأول : تقييم أفعال الإنسان ]
إن أفعال الإنسان تارة تكون إرادية تابعة لاختياره وأخرى لا إرادية تصدر بلا اختيار ، ولا يخفى إنه قد حقق في علم الكلام إن الله تعالى هو المانح للإنسان حرية الاختيار والإرادة ، لقوله تعالى : [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] الإنسان/3 ، وطبقاً لهذا المبدأ فلا ينسب ما يصدر من الإنسان من أفعال إرادية توصف بالشرية إلى الله سبحانه .
ولذا فإن الأفعال الإرادية تبتني على أمرين :
الأول : إن جميع تصرفات الإنسان تابعة لإرادته وأختياره ، وهذا مما يحكم به العقل السليم والنصوص الشريفة .
الثاني : إن علم الله تعالى بفعل الانسان قبل صدوره لا يعد علة لحدوثه ولا جزء علة ، بل هما أمران منفصلان فالعلم بالشيء لا يصيره موجوداً وهذا أمر معلوم بالوجدان كما لو علمت بإن زيداً سيقتل عمراً ، فإن علمك هذا لا يؤثر بإيجاد الارادة عند زيد لقتل عمر كما لا يؤثر في صدور الفعل منه ، فإنه بإمكان زيد أن يقتله أو يتركه .
وإذا اتضح ذلك فلا تأتي الشبهة إن الشر الصادر من الانسان مصدره الله تعالى إذ إن الخالق قد منحه الارادة ، والانسان بقصده وأختياره قد تسبب بحدوث هذا الشر ، فلا يصح نسبته الى الله تعالى .
أما الشر الحاصل من غير تسبيب فإنه قد يكون مسبباً من فعل الانسان أيضاً من غير أن يكون ملتفتاً له فيرجع إلى الاصل الأول وهو داخل تحت أفعال الانسان كما لو تناولت الأم سُماً أو عقاراً أدى إلى تشويه الجنين أو حصول نقص فيه نتيجة لسوء تغذية أو غيره .
وأما الأفعال اللا إرادية فإنها على قسمين : إما أن يكون لها منشأ إرادي يكون للإنسان دخل في تحققها وإما لا يكون للإنسان دخل في تحققها ، وعلى الأول لا تنسب إلى الله تعالى لأنها وقعت بتسبب الإنسان نفسه ، وأما الثانية فيقع فيها الإشكال والشبهة ، وسيأتي الجواب عنها .
[المطلب الثاني : تعريف الشر وبيان ماهيته]
الشر في اللغة نقيض الخير ، ولذا يرى الفراهيدي بإنه : السوء ، وهو كل فعل قبيح يؤدي إلى نقص أو عيب أو فساد ، منه سوء المعاملة والإدارة ، وقريب منه إبن فارس حيث قال : الشين والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الانتشار والتّطايُر ، أي زوال الخير بعد وجوده .
ولبيان أكثر لابد من تعريف الخير من باب تعرف الأشياء بنقائضها ، فالخير ما يرغب فيه الجميع[1] بحيث يميل إليه[2] ، ومنه رجل خيرٌ وامرأة خيرةٌ أي : فاضلةٌ في صَلاحِها والجميعُ خيارٌ وأخيار وامرأةٌ خَيرةٌ في جمَالها وميسَمِها[3] ، ولذا سمي الكرم خيراً والجمال خيراً .
فالخير أمر وجودي له تحقق في الخارج بخلاف الشر فإنه ليس إلا عدم وجود الخير ، وبالتالي فهو أمر عدمي لا وجود له أو تحقق في الخارج .
ولو تتبعنا كلام المفسرين في تعريفهم للشر لوجدناه متفق مع معناه اللغوي ، فالشيخ الطوسي تفسيره يقول : الشر هو السوء هو ضد الخير[4] .
أما الفلاسفة والمتكلمون فقد أطلقوا الشر على أمرين : الأول : عدم كمال الوجود مما له شأنية الكمال ، من قبيل العمى للعين أو عدم الثمرة في الشجرة المؤهلة لإعطاء الثمرة . الثاني : عدم الوجود مما له شأنية الوجود ، من قبيل عدمية وجود الإنسان بعد وجوده ، لإن ذلك شر بالنسبة للإنسان [5] .
المطلب الثالث : الأفعال من حيث تعلق الشر بها على أقسام :
ذكر الفلاسفة إن الموجودات من حيث نسبة الخير والشر يمكن تقسيمها إلى خمس ــ وقيل إن أول من ذكر ذلك أرسطوا ـــ الأول : ما هو خير محض ولا شر فيه . الثاني : ما هو شر محض ولا خير فيه . الثالث : ما تساوت فيه نسبة الشر مع الخير . الرابع : ما كانت نسبة الخير أرجح من الشر الخامس : ما كانت نسبة الشر أرجح من الخير .
والأقسام الأخيرة لا وجود لها وتحقق في الخارج ، أي إن الله تعالى لم يخلقها ويوجدها لعدم ترتب المصلحة على وجودها ، ولا يعقل أن تكون أفعال المولى بلا غرض أو مصلحة لاستلزامه اللغوية وهو قبيح .
فينحصر تقسيم المخلوقات بقسمين : الأول : ما هو خير محض . الثاني : ما كانت نسبة الخير أرجح من الشر .
فأما الأول ، فإن إفاضة الوجود عليها من الخالق هو بحد ذاته خير ، وهي ما دامت خير محض بحسب تكوينها أي لا شرية فيها ، فإن وجودها يكون خيراً لنفسها ولغيرها كالملائكة فإن أدوارها في الوجود تنحصر في مقام الخيرية .
وأما الثاني ، فإن خلق ما يترجح فيه جانب الخير يدور بين أحد أمرين : أما أن لا يوجدها ويخلقها أو يخلقها مع وجود نسبة الشر القليلة فيها ، فعلى الأول يكون خلاف اللطف والكرم الإلهي لأنه قد حرم هذا الخير الكثير من الوجود ، كما إن وجودها لا ينافي الحكمة لترجح جانب الخير ، فلا يعقل ترك إفاضة الخير لمجرد وجود نسبة قليلة من الشر .
ولا يقال : إن الله تعالى قادر على كل شيء ، ومقتضى القدرة المطلقة هو إزالة الشر مع إبقاء الخير ، لأن القصور هنا ليس في الفاعل بل في قابلية القابل لزوال الشر عنه .
من قبيل وجود الأفاعي والعقارب ، فإن في وجودها نفع سواء علمنا به أم لم نعلم ، وهذا النفع لا يمكن للإنسان تحصيله إلا من خلال حصول الأذى له باعتباره ــ مثلاً ــ علاجاً لبعض الأمراض المستعصية ، فلو أزال الخالق عز وجل ما يتصور كونه شراً لبطل وجه النفع منها .
وسيرة العقلاء شاهدة على ذلك فإن الفرد منهم تراه يبذل جهداً كبيراً في أعمال شاقة قد تسبب ضرراً وأذى له ، ومع ذلك لا يحكم عليها بالشر لكون النفع الحاصل من خلال الأجر المترتب عليها أكبر وأعظم مما يعوض هذا الضرر ويزيله .
المطلب الرابع : هل للشر وجود واقعي ؟ .
ويقع الجواب على هذا التساؤل عبر مستويين :
المستوى الأول : بيان الدليل العقلي .
ذكر المتكلمون والفلاسفة إجابات متعددة لحل هذه الإشكالية قديماً وحديثاً ، أهمها :
هو ما ذهب إليه بعض الفلاسفة وهو عدمية الشرور فليس لها وجود واقعي ، حيث لا تحتاج إلى خلق وإيجاد من الإله .
فالشر على أنواع فهو إما يكون بنفسه عدماً ونقصاً كالعمى الذي لا يكون إلا عن إبصار ، والفقر الذي لا يكون إلا عن غنى ، فلا يسمى الاعمى ابتداءً بإنه تلبس بالشر ، لإنه لم يكن مبصراً حتى يحصل له العمى .
وأما ما تتصف بالشر نسبة إلى إعدام موجود أو إعدام كمال وجوده كما في الزلازل والاعاصير ، فإنها أمور وجوديه لها واقعية في الخارج وبلحاظ ما تؤدي إليه من كوارث بيئية واضرار مادية تسمى شراً وإلا فإنها بحد ذاتها لا تتصف بالشرية .
وبعبارة أوضح : إن الشر على نحوين :
الأول : ليس له وجود في الخارج ، بل هو أمر عدمي ، وبالتالي فلا يحتاج إلى موجد وخالق حتى يتصف بالظلم لإيجاده الشر .
كالجهل فإنه ليس إلا عدم العلم ، فالعلم له وجود وآثار تدل عليه ، بينما الجهل هو عدم العلم ، والظلمة ليست إلا عدم النور ، فالنور له وجود وآثار تدل عليه بخلاف الظلمة فإنها عدم النور ، وكل من العلم والنور يحتاجان لمصدر ينبعث منه الوجود بخلاف نقيضيهما .
الثاني : ما كان له وجود واقعي يسبب النقص والعدم ، كالزواحف والحيوانات المفترسة ، فإن هذه الموجودات لا تعد شرا في واقعها وبحد ذاتها وإنما بالنسبة لما توقعه بالانسان أو بالموجودات الأخرى تعد شراً ، بل إنها قد تعد كمالاً للكون وللإنسان من حيثيات أخرى .
فنسبة الشر لهذه الأمور إنما تكون طارئة لعدم فهم جهة الخير فيها ، فإن الكمال للخلق لا يتم إلا عن طريق وجودها كالعقارب فإن وجود السم القاتل فيها خير لإستعماله في علاج الأمراض المستعصية .
وعليه فلا يخلو شيء في هذا الوجود من نسبة صفة الشر إليه بالنسبة إلى غيره ، فإن نفس وجود الإنسان هو شر لكثير من الكائنات الحية لكونه يعتمد عليها في الأكل مما يؤدي إلى هلاكها ، فلابد من تصور جهة النفع والحكمة من ذلك ، وأمَّا عدم معرفة الحكمة من بعض الآفات لا يلغي جهة الخير من وجودها لأن عدم الوجدان لا يعني عدم الوجود وعدم العلم بالحكمة منه لا يعني عدم وجودها .
فما يمكن توهم أنه شر من وجود الأعيان والحوادث فإنما ينشأ من منظار الإنسان إلى سائر المخلوقات بعيداً عن النظرة الشمولية للنظام الكوني ، ولذا يحكم عليها بأنها شر لما تسببه من مضار وأذى في حين أنه لو تجرد عن نظرته الضيقة لوجد أن الكون عبارة عن أجزاء وحلقات متناسقة الواحدة تكمل الأخرى وفقاً لنظام الاسباب والمسببات.
المستوى الثاني : بيان النص الشرعي .
قد ورد لفظ الشر في القرآن والسنة بشكل مستفيض وفي موارد كثيرة ومناسبات متعددة بحيث يحتاج احصاؤها إلى بحث مستقل ، بيد أنه يمكن اجمال نظر الدين الإسلامي عبر نقاط عدة :
الأول : إن الشر المقصود في النصوص الشريفة هو كل ما يرغب عنه ، وهو معنى شامل لما هو عدم لا وجود له كالفقر فإن ليس إلا عدم الغنى ونحوه ، وللأمور الواقعية النسبية كالشيطان والزلازل والاعاصير ونحوها.
الثاني : إن أسباب الشر متعددة منها الشيطان ومنها الانسان نفسه كقوله تعالى : [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ] الفلق/1ـ5 ، وقوله تعالى : [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ] الناس/1ــ6 .
وفقاً لما أعطاه الله سبحانه للإنسان وبعض المخلوقات من حرية التصرف فلا يمكن نسبة الشر إليه تعالى ، بالإضافة إلى أن وجود هذه الأسباب ليس شراً بالأصل وإنما بالعارض .
الثالث : إن لوجود الشرور فوائد وحِكَمْ في هذا الكون بعيداً عن القول بوجودها الواقعي أو وجودها النسبي العرضي يمكن لأجلها تصحيح إيجاد الشر ، إذ إن الله تعالى وفقاً لقانون الأسباب والمسببات المتقدم قد أبتلى الإنسان بالمصائب والبلايا لأغراض كثيرة ، قال تعالى : [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] الأنبياء/35 ، وقال تعالى : [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ] العنكبوت /1 ، ومن هذه الحكم :
1 ــ إن ابتلاء الإنسان بالمصائب والمحن قد يدفعه نحو إيجاد الحلول والمعالجات مما يؤدي إلى تطور العلوم وتقدم المجتمعات وبناء الحضارات ، وخير دليل على صحة ذلك هو الوجدان فإن المجتمعات لم تتطور إلا في ظل الحروب والصراعات والمشاكل الحاصلة على مر الازمنة والعصور .
2 ــ إن اغراق الإنسان بالمواهب واللذات والاغداق عليه بالنعم الوافرة وافاضة الخير دائماً قد يؤدي به إلى الغفلة عن القيم والمبادئ الأخلاقية التي من أجلها خلق الانسان ويسلب عنه نعمة التفكر ، فهناك علاقة عكسية أي كلما ازداد نصيبه من اللذات كلما ابتعد عن هذه القيم ، لهذا احتاج إلى منبه ومنذر ومذكر ، وهذا التنبيه قد يكون عن طريق بعث الانبياء والاوصياء ، وقد يكون عن طريق الإبتلاءات التكوينية كالزلازل والاعاصير ، كما في قوله تعالى : [وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ] الاعراف/94 وقوله تعالى : [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ] الأنعام/42 .
3 ــ إن معرفة لذة الحياة وحلاوتها والسعادة وحسنها لا تدرك إلا من خلال معرفة ألمها وصعوبتها ونزول البلايا وتذوق المرارة فيها ، ولذا فإن الإنسان لا يمكن أن يعرف قيمة النعم التي تفضل الله تعالى بها عليه إلا من خلال فقدانها كلاً أو بعضاً ، وذلك لا يكون إلا من خلال أسباب وعلل تكوينية قد أرتكبها أو أرتكب مقدماتها سواء علم بها أم لم يعلم بحيث أدت به إلى هذه النتيجة .
ولذا فإن الله تعالى قد خلق هذا الكون وأعطى لكل مخلوق فيه خصائصه ومميزاته التي يختلف فيها مع غيره من المخلوقات ، ولكن لقصور في عقل الإنسان قد يتصور هذه الفوارق شراً ، قال تعالى : [قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى] طه/50 بمعنى أنه خلقها وأوجدها من العدم لكل منها خصائصه وصفاته .
وخلاصة القول : إن العقل يستقل بوجوب عدالة الخالق الحكيم ، مما يلزم منه عدم نسبة أي قبيح إليه ، وبالتالي فلا يصح نسبة خلق الشرور إليه ، وأما ما يتصور أنه شر ، فإنه خاضع لحكمة سواء علمنا بها أم لا ، وهي لا تخلو أما من جهة الاستحقاق للعاصي أو الإبتلاء للمؤمن أو العوض لغير المكلف فإنه تعالى إنما يبتليه لغرض تعويضه بحياة أفضل وأكمل أو لغير ذلك من الأسباب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - ظ : مفردات الفاظ القرآن : مادة خير .
[2] معجم مقاييس اللغة : مادة خير .
[3] - العين : 4/301 مادة خير .
[4] - التبيان : 2 /203 .
[5] - ظ : الإشارات والتنبيهات : ج3 النمط السابع الفصل 23 ص320 .
0 تعليق
تنبيه