7‏/3‏/2021

إدارة الموقع

الفقه السياسي في فكر السيد المقدس الغريفي

الفقه السياسي
في فكر الســــيد المقدس الغريفـــي
بقلم : نادر عبد الكريم 

يعتبر الفقه السياسي جزءاً من المنظومة القانونية الشرعية التي تتناول القضايا السياسية كالحكم وادارة الدولة والعلاقات الخارجية ونحوها ...
فالفقه في اللغة يطلق ويراد منه العلم بالشيء والفهم له ، وقد وردت نصوص شريفة من القرآن والسنة بكلا المعنيين ، أما العلم بالشيء فقوله تعالى : [فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ..]، أما الفهم له فقوله تعالى : [قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ] ، وكذا قوله تعالى : [تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم..] ، أي لا تفهمون تسبيحهم ، وقد غلب على الدين اسم الفقه لشرفه وعلوه على باقي العلوم والمعارف ، وَفَقُه في دينه : صار عالمًا بأصول الشريعة وأحكامها ، وفي النبوي المشهور : [مَنْ يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين].

أما اصطلاحاً فهو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.

أما السياسة : فهي لغة تطلق ويُراد منها الإدارة ، وهي مصدر على وزن فعالة يقال : وساس الأمر سِياسة ، قال الصاحب بن عباد : والسياسة فعل السائس، والوالي يسوس رعيته، وسُوِّس فلانٌ أمر بني فلان ؛ أي : كُلِّف سياستهم .

أما اصطلاحاً فتعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية.

ولا تعني السياسة فن الممكن كما يراها بعض الساسة ، لأنَّ الإسلام يمنع من الحصول على المكتسبات والمصالح عن طريق الظلم والافساد وفق مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) .

فالفقه السياسي : هو العلم بالأحكام المتعلقة بالحكم والحاكمية من أدلتها التفصيلية نحو كيفية تنصيب الحاكم وكيفية ادارة الدولة والقوانين التي تنظمها وأحكام الحرب والسلم وغيرها مما هو مذكور في كتب الفقه الاسلامي.

فالفقه الإسلامي يمتلك نظاماً متكاملاً حاوي على كل ما فيه صلاح للإنسان ، بحيث لم يترك له فراغاً اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو غيره من النظم والتشريعات التي تنظم سلوك الانسان وتجعله يعيش حالة الاندماج والانصهار في المجتمع ليكون مجتمع (الأمة الواحدة) .

وهذا ما تناوله سماحة الفقيه المحقق آية الله السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي (دام ظله) في أبحاثه وكتاباته بصور مختلفة ــ موجزة ومفصلة ــ التي يمكن أن يجد الباحث بغيته فيها ، فمنها :

1 ــ حاكمية الفقيه وحدود ولايته على الأمة ، وهو بحث فقهي استدلالي يستعرض الآراء الفقهية ويناقشها بإسلوب علمي رصين ويبين الأدلة العلمية على مشروعية ولاية الفقيه وحدودها والشرائط التي يجب توفرها في الولي الفقيه ، وأما مبناه في الولاية فهو لم يتبنى الولاية العامة التي تعطي للفقيه صلاحيات مطلقة كصلاحية المعصوم لإختلافهما من جهة العصمة والعلم اللدني وحدود الولاية ، كما لم يقتصر على حدود الولاية الخاصة ، وإنما اتخذ مسلكاً وسطياً وهو ما اطلق عليه (الولاية الإتساعية) التي تتسع فيه صلاحيات الفقيه بمقدار حاجته الفعلية لقيادة الأمة وحفظ نظامها وتدبير شؤونها بحيث لا تتعطل معها أحكام وحدود الشريعة ، وهو من ابداعاته الفقهية .

2 ــ نقض الحكم الولائي وهو بحث فقهي استدلالي حول ولاية الفقيه والموارد التي يمكن ان ينقض فيها حكمه ، وفيه مباحث هامة لا يستغني الباحث عنها كالشهادة الثالثة في الأذان وحكم من لم يصل الجمعة أثناء حصول النداء وغيرهما .

3 ــ حكومة الفقهاء ودستور الأمة ، وهو بحث فكري فقهي يتعرض فيه لموضوع الحكومة الإسلامية بخطوطها العامة بعد عرض موجز لأهم الأنظمة العالمية ونقض مبانيها ثم ذكر الخطوط العامة للدستور الإسلامي ، ومما يجدر الإشارة إليه أنَّ الغرض الذي ابتغاه سماحة السيد (دام ظله) من البحث هو الدعوة لمشروع اسلامي أصيل وتطبيقه في بلده العراق بعدما ثبت أنه لم يُطرح أي مشروع سياسي حقيقي يتبنى الإسلام كنظام حكم على الساحة السياسية في العراق مع عدم أهلية الاحزاب المتصدية للحكم وفشلها.

4 ــ جذور الإساءة للإسلام وللرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو عبارة عن موسوعة علمية يتضمن أبحاثاً فقهية واجتماعية وسياسية وغيرها ، وقد كُتِبَ بإسلوب معاصر وفقاً لمنهج البحث العلمي ، تعرض فيه سماحته لمحاكم التفتيش ، والحروب الصليبية ، والثورة الفرنسية ، والإستعمار والتبشير ، والحروب العالمية ، وحقيقة المنظمات والقوانين الدولية ، مع كشفه لنظرية التبادل القهري للأدوار وما صنعه الغرب وعملائهم لتجهيل الشعوب وتضليلهم وإفقارهم ، كما بَيَّنَ سماحته الكثير من قضايا العصر بإسلوب تحليلي راقٍ ، وأيضاً أخضع كثير من النظريات السياسية لمنظار البحث والتحقيق والمناقشة .

5 ــ المرجعية الدينية والمرجعية السياسية ، وهو بحث ردَّ فيه على كلام بعض الساسة والأحزاب في الفصل بين سلطات الفقيه وتحجيم دوره السياسي وانتزاع جملة من صلاحياته بما يجعل عمله منحصراً في الفتيا بخصوص المسائل العبادية والمعاملية ، مع ارجاع قيادة الأمة وعملها السياسي إلى مرجعية خارجة عن حدود الإجتهاد والفقاهة والأهلية لتُمثل مرجعية سياسية للأمة كقادة الأحزاب ومجالس شوراهم.

6 ــ الفدرالية من منظور فقهي ، وهو بحث فقهي أثبت فيه جوانب ضعف النظام الفدرالي وعدم صلاحية تطبيقه على الساحة العراقية وأنه نظام تقسيمي وليس اتحادي وبالتالي حرَّمَ تطبيقه في العراق .

7 ــ التحولات الإجتماعية في العراق ، ناقش فيه المراحل التي مر بها العراق منذ عصر الدولة الأموية مروراً بالعباسية والعثمانية وحتى يومنا هذا عبر العرض والتحليل العلمي المشفوع بالأدلة والشواهد .

إضافة إلى عشرات الأبحاث والمقالات والبيانات الصادرة عن سماحته (دام ظله) والتي تشتمل على رؤى وأفكار واطروحات يمكن للباحث أن يجد فيها مبتغاه ، فهي مجموعة نظريات تستحق أن يكتب عنها رسالة ماجستير أو اطروحة دكتوراه .

وقبل الحديث عن الفقه السياسي وبعض جوانبه لابد من اجراء مراجعة سريعة للتاريخ الاسلامي وخصوصاً الشيعي وما يكتنفها من مشاكل واضطرابات لنعرف المراحل التي مر بها ليصل الى هذا النضوج والاكتمال .

فالإسلام منذ البعثة المشرفة وضع خارطة طريق محددة لموضوع الحاكمية باعتبار أنَّ الخالق العظيم عز وجل هو أدرى بشؤون خلقه وعباده وأعلم بما يصلحهم وما يفسدهم فأرسل رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانزل دستوره الذي يمتلك مقومات البقاء إلى يوم القيامة ومن ثم حدّّد موضوع الحكم بالتنصيب الالهي والاصطفاء الربّاني الذي يبتني على اختيار الأكفأ والاكمل وهو المعصوم المُنَزَّه عن كل رجس وهُم إثنا عشر اماماً أولهم علي أمير المؤمنين عليه السلام وآخرهم الحجة القائم المنتظر (عجل الله فرجه) لكن بعض الناس لم يقبلوا الحكم الالهي وانقلبوا على الرسالة بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانقسمت الأمة نتيجة لذلك ونشأ الخلاف في مسألة : هل الإمامة بالتنصيب أو بالشورى أو بالغَلَبَة ؟ ، وكانت أول الفتن الكبرى التي عصفت بالأمة هي ما جرى يوم السقيفة يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تفيض روحه الطاهرة إلى الرفيق الأعلى ورأسه في حجر أمير المؤمنين علي عليه السلام وانشغال أهل البيت عليهم السلام وخُلَّص الأصحاب بتجهيز ودفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ افرزت السقيفة نظاماً اخترعه البشر تبعاً لأهوائهم ومطامعهم في قبال التنصيب الإلهي .

ويلتزم سماحته (دام ظله) منذ البداية بأن الحكم والحاكمية لله تعالى يضعها حيث يشاء فيترتب على هذا الأصل أمورا هامة :

أولاً : عدم تدخل البشر في اختيار وتعيين الحاكم من دون معرفة الصفات والشرائط المطلوبة فيه لعدم إدراكهم الأصلح وفق منظومتهم البشرية التابعة للأهواء والمصالح الضيِّقة والضغوط الخارجية والداخلية ، فمتى ما اختاروا لأنفسهم يعتبر تدخلاً في غير محله يحاسبون عليه.

ثانياً : إذا ابطلنا حاكمية البشر فيجب تحديد النظام البديل عنه في زمن غيبة الإمام (عج) لحفظ النظام وبقاء النوع .

وليس هو إلا حاكمية الفقيه الجامع للشرائط ، فيرى السيد المقدس الغريفي (دام ظله) إنه القدر المتيقن لشغل هذا المنصب دون ما عداه ، لأنَّه العالم العادل النزيه والكفوء ، وأن حدود ولايته تتسع بمقدار حاجة الفقيه لإدارة شؤون الأمة فلا يقف مكتوف اليد أمام الحوادث والمستجدات ولهذا اصطلح عليها بــ (الولاية الإتساعية) .

ثالثاً : إن السياسة عنده (دام ظله) تعني : ايجاد الوسائل والنظم المشروعة لتدبير شؤون الأمَّة ورعاية مصالحها العامة .

ولا يصلح للقيام بهذه المهام إلا الفقيه أو من يسترشد برأيه ممن تتوفر فيهم الأهلية والكفاءة والصلاح ، فالسياسي هو الذي يبحث عن الطرق المشروعة ضمن نطاق المنظومة الفكرية الإسلامية لرعاية شؤون الأمة الداخلية والخارجية .

ولهذا رفض سماحة السيد دام ظله أن تكون السياسة هي إتباع المصلحة كيفما كانت ومن أي طريق جاءت بمعنى الغاية تبرر الوسيلة ، كما رفض من يصف السياسة بالكفر والقذارة بعدما اثبت أنَّ السياسة جزء لا يتجزأ من الدين فيقول (دام ظله) في كتابه (المرجعية الدينية والمرجعية السياسية) : [وهذا الكلام فيه صحة لانه يلحظ التطبيقات الخاطئة والظالمة والشائعة عند السياسيين ولكن مفهوم هذا الكلام خاطيء لأنَّ السياسة لا تقتصر على العناصر المنسلخة عن الدين بل السياسة تدخل في صلب الدين والمتدينين فيتبعون السياسة الشرعية المقررة في كتب الفقه والحديث والممارسات السياسية عند المعصومين G وطرق معالجة الأحداث وفق مقررات الشرع الشريف , وسيرة المعصومين التكاملية التي اغنتنا بالتجارب والوسائل السياسية الصادقة التي تجعل الإسلامي العادل والمخلص لدينه يعيش بعيدا عن رذيلة سياسة الغرب والكفر التي جعلت الدين جزءا من السياسة ليحصل التلاعب والتحريف عن طريق تسييس الدين وفق مصالح وأهداف الساسة والتي بسببها حصلت ارتدادات موهومة عن سياسة الدين ولذا نحن نرفض تسييس الدين ونطالب الحكومات بالالتزام بسياسة الدين التي هي جزء من النظام]

كما إن سماحته قد رفض تعريف السياسة بإنها فن الممكن ، والذي تبنّاه غالب الطبقة السياسية وخصوصاً الجهات المناوئة للدّين ، ثُمَّ إنَّ السياسة من المفاهيم ذات الطابع المزدوج التي يُمكن أن تستعمل في الشر لغايات شخصية وحزبية وأنظمة دولية ، كذلك يُمكن أن تستعمل في الخير ، وكما يمكن أن تستعمل فيها الأساليب غير المشروعة ، كذلك يمكن أن تستعمل في الأساليب المشروعة فلا يمكن قصر مفهوم السياسة على الخداع والمكر .

no image

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك