7‏/3‏/2021

إدارة الموقع

الإعلام في فكر الفقيه المقدس الغريفي

الإعلام في فكر الفقيه المقدس الغريفي
بقلم / جاسم الجبوري

يُعَدُّ الإعلام من أهم الموضوعات التي شغلت حيزاً كبيراً في الواقع المجتمعي ، وله آثار كبيرة سلباً وإيجاباً على أفراده ، وقد استثمره الغرب والاستكبار العالمي في سبيل تدمير البنى الفكرية والاجتماعية للمسلمين عامة بغية تفتيت نقاط القوة واشاعة التفرقة والبغضاء والعنصرية وغيرها من الآفات التي تدمر البلاد والعباد ، ولهذا عُدَّ سلطة رابعة في قبال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
وتظهر أهميته في موارد شتى كالسياسية في تكوين الرأي العام وتعريف الناس بالمرشحين وأفراد الدولة والرقابة عليهم بنشر الأخبار وتوعية المجتمع بما يدور حوله من نشاط إيجابي أو سلبي ، أو اقتصادية كتسويق البضائع والمساهمة في إيصالها إلى الزبون ، أو أجتماعية عن طريق نشر الأفكار والعادات الحسنة والمساهمة في إزالة ورفع الأفكار والعادات السيئة داخل المجتمع ، ويتم ذلك عبر وسائل الاعلام المكتوبة كالصحف والمجلات والجرائد اليومية أو المسموعة والمرئية كالإذاعات والقنوات الفضائية أو الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر والأنستغرام والتلكرام والواتس آب وغيرها .

وكان ممن تنبه لذلك سماحة آية الله الفقيه السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي (حفظه الله) حيث أولى الإعلام مساحة واسعة من أبحاثه ودراساته الفقهية والفكرية وشدد من خلال كلماته على ضرورة توظيفه بما فيه فائدة ونفع على المجتمع بكل أصنافه وألوانه وأعراقه ليؤثر إيجاباً عليهم ، ولطالما سمعت من خطبه وارشاداته بعد سقوط الطاغية المقبور عام 2003م وحتى اليوم ذلك ، وتشديده على ضرورة مراعاة الأخلاق الفاضلة والمثل الحسنة في نقل الحدث وبيان الحقائق للمجتمع وعدم تمكين الفاسدين والسفهاء والجهلة من مفاصل هذه السلطة لأن تأثيرها على الناس أكبر وأوسع ، ومن الصعب تبديل المعلومة الخاطئة الواصلة اليهم فإنَّ الهدم أمره سهل يسير بخلاف البناء فإنه صعب عسير لكون تصحيح المسار الخاطئ يحتاج إلى تعبئة إعلامية كبيرة عبر وسائل وطرق متعددة ومختلفة .

وفي حديث له (حفظه الله) أكد على أن الشريعة السمحة لم تترك فراغاً في التشريع فما من واقعة إلا ولله فيها حكم ، فلا يوجد موضوع دون حكم ولم تترك مشكلة دون وضع الحلول والمعالجات الناجعة لها ، ولهذا فقد اهتم الشارع بموضوع الإعلام وتفصيلاته وبيََّن أحكامها حيث تختلف بحسب الأحكام التكليفية الخمسة من حيث متعلقها تارة ومن حيث طرق الكسب تارة أخرى ، فأما من حيث المتعلق فبعضها يجب ويلزم على المكلف امتثاله كبيان الأحكام الشرعية ودفع الشبهات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبعضها يحرم كإشاعة الفاحشة ونشر الأفكار الضالة والعقائد المنحرفة واشاعة الرذيلة والكذب والتضليل ونحوها ، وقد يستحب بعضها وقد يكره وقد يكون مباحاً ، وأما من حيث طرق الكسب فيحرم ما يؤخذ المال عن طريق معونة السلطة الظالمة أو الاعلانات المبتذلة أو الدعايات الكاذبة ونحوها مما لا يجوز بحد ذاته.

ومن هنا تظهر فقاهة سماحته (دام ظله) حيث لم يتخذ الأسلوب التقليدي في اختيار عناوين أبحاثه وطريقة عرضها ، بل كان يركز دائماً على اختيار العناوين الجديدة ذات الأثر العملي على أفراد المجتمع فيطرح كل ما يحتاجه الأفراد ويضع الحلول والمعالجات له بدقة وعمق .

وكان مما طرحه في كتابه جذور الإساءة المطبوع سنة 2009م مبحث تحت عنوان (نظرة شرعية في بعض العلاقات والاعلام) فيقول في مقدمتها : [لا شك في أنَّ العلاقات والإعلام بكلِّ تفرعاتهما لهما الدور الفاعل والمؤثر في مسيرة الحياة سلباً أو إيجاباً ، فيأخذ هذا التأثير منحىً حركياً في الأمَّة سواء كان مادِّياً أو معنوياً لينتج عنه الكثير مما قد يستحق الذم أو المدح في النظر العقلي والذي يترتب عليه أيضاً مفاسد أو مصالح ، وتبعاً لذلك يصدر الحكم الشرعي بالحلِّية أو الحرمة ، وهذا إنَّما يخضع لقوانين العقل العملي وإدراكه للحُسن والقُبح العقليين كما يوجد أيضاً في الشريعة الضوابط والموازين التي لا يجوز أن يخرج عنها الإنسان في حركته داخل المجتمعات والشعوب لكي لا يرتكب مفاسداً تضرُّ به وبالآخرين دنيوياً أو أُخروياً أو كليهما معاً ، ويتفق العقل والشرع في تقنين منظومة حياتية متكاملة ومتوازنة تحفظ فيها حقوق الإنسان بكل مفرداتها المادِّية والمعنوية] .

ثم يجيب عن شبهة دائماً تطرح على الساحة الإعلامية : إنَّ المهنية العلمية والتربوية والمهارة والحكمة في التحمل والعرض والأداء والتوظيف الإعلامي الصحيح الهادف والعادل ينبغي أن تقع ضمن خطوط وحسابات وحركات مجردة كالرياضيات أو كالأجهزة الميكانيكية باعتبارها صمّاء وعمياء لا تتحرك إلاّ في المجال المحدد لها آلياً لتأخذ قالباً واحداً من أجل أن تكون حيادية ومستقلّة ومحافظة على مسارها ولا تنحاز إلى جهة فتعطل مسار الحركة الصحيحة ، بقوله : [أنَّ هذا التصور غير دقيق ولا ينطبق على ما نحن عليه بلحاظ أنَّ العلاقات والإعلام في المنظور الفقهي الإسلامي إنّما تتفاعل في حركتها مع الثوابت والمتغيرات بصورة مستمرة وفق قانون وتشريعات تستوعب ذلك وتذوب في ثناياهما الروح الإنسانية وتتمخض عنهما حركة عقلية هادفة تتجسّد في الآراء والطروحات والمواقف التي تصب في إعلاء كلمة الله تعالى وتثبيت الحق وخدمة المبادئ والعقائد الصحيحة والمراعاة العادلة للمجتمعات الإنسانية وحماية المستضعفين والمطالبة بحقوق المظلومين ، وتصوير الحدث بدقة وموضوعية وعدالة ونقل المعلومات المعرفية والخدمية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك بدراية وأمانة وصدق ، وهذه المهنية الصادقة في العمل هي أمر مطلوب و يحث عليها الإسلام ويدفع بالعلاقات والإعلاميين إلى العمل السَامي الجاد والمثابر والمنتج نحو درجات عالية من الرقي والتقدم ليتميَّز ويتفوق مستوى الإعلامي المؤمن على غيره من الإعلاميين النفعيين الانتهازيين تجار الكلمة وباعة الضمير ، ويكفي هذا الفرق أن يكون أساساً وداعياً حقيقياً لموضوع المهنية العملية الصادقة التي هي مصداق حقيقي يُطابق مفهوم المهنية] .

ومن نصائحه (دام ظله) للإعلامي الرسالي قوله : [ينبغي أن يكون مسؤول العلاقات والإعلامي المسلم رسالياً يعتز بنفسِهِ وبإسلامه ويدافع عن رموزه ويردّ على الإساءات وينتصر للحق ويسعى بكل إمكانياته وعلاقاته ووسائله المتاحة لنشر ثقافة الإسلام وأحكامه وتعاليمه والتعريف برسول الإنسانية الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورد كيدِ المُعتدين ، فإنّ هذا العمل لا يقتصر على الدعاة والمبلّغين فقط بل يتوجب على كلِّ مسلم أن يتحمل مسؤوليته من موقعه ضمن منظومة العمل الجماعي وأن يكون سفيراً يحمل رسالة الإسلام في أيّ مكان وفي أيِّ وظيفة و لا سيما المغتربون في بلاد الغرب ، وهذا ما يتوجب أيضاً على المسلمين كافّة تأسيس منظومة إعلامية متكاملة في أرجاء العالم تُعَرِّف بالإسلام وتدافع عن قضايا المسلمين وتحمل همومهم وتتصدى من خلال خلق رأي عام شعبي ورسمي لمعالجة ما يُمكن معالجته لتُمَثّل بحق الإعلام الرسالي الواعي والهادف الذي لا ينـزلق في متاهات يفقد فيها الإنتماء وتضيع عندها الهوية وتُرتَكَب فيها ما لا يصح فعله كما هو الحال لكثير من وسائل الإعلام التي تتخبط في البحث عن سدِّ الفراغ بأيِّ خَبرٍ وحَدثٍ وبرامجٍ وموضوعٍ بغض النظر عن القيمة العلمية والشرعية والأخلاقية أو أنّها مستأجرة تنفذ مخططات علمانية خاصة لا تهتم لقضايا المسلمين وما يتعلق بالدِّين والرسالة ، ناهيك عن الدور العدائي الذي تتبناه وسائل الإعلام المناوئة للإسلام والمسلمين وما تمارسه لمحاربة الإسلام في أحكامه وتشريعاته ورموزه ومقدساته والداعمة والمروّجة للفساد والباطل بذريعة الحرية والتقدم والانفتاح] .

no image

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك