5‏/3‏/2022

إدارة الموقع

دور العلماء العاملين بين الرد والقبول

 دور العلماء العاملين بين الرد والقبول

يصدر بين آونة وأخرى من بعض دعاة الثقافة المؤدلجين، ومن الأُميين ثقافياً دعاوى تكشف عن واقعهم وطبيعة انتمائهم وولائهم وقصور نظرهم؛
لأنهم في الوقت الذي يُمارسوا أدواراً حياتية مختلفة ومتنوعة في الرأي والسلوك والموقف ويدلون بدَلْوِهم في كل شاردة وواردة من دون حياء أو خجل رغم قصورهم وتقصيرهم وعدم أهليتهم متذرعين بالحرية الشخصية وحرية التعبير عن الرأي وحرية الموقف وحرية الانتماء والولاء وهكذا تتعدد لديهم الذرائع ، وفي مقابل ذلك وبكل وقاحة نجدهم يُصادرون حق العلماء في أخذ دورهم الرسالي في الحياة ، بل يحصروا وظيفتهم في الفتيا وتحديداً في الدماء الثلاثة - الحيض والاستحاضة والنفاس - تقزيماً لدورهم وسخرية منهم في إشارة واضحة إلى حصر العلماء في بودقة الأحكام الشرعية العبادية ، فيمسخوا بذلك دور العلماء الأمناء الأتقياء في مواقفهم المفصلية التي كانت وما زالت مرجعاً في خلق التحولات الاجتماعية والتاريخية الإيجابية نُصرة للدّين وللمستضعفين عَبْر قرون من الزمان، بلحاظ كونهم كما في الأحاديث الشريفة ورثة الأنبياء وحصون الأمة وقادتها؛ ولكنّ الحاقدين والحاسدين والخصوم والجهلة والسفهاء لا يجدوا حقاً للعلماء في ممارسة دورهم الرسالي بشأن قضايا الأمة اعتماداً منهم على ايديولوجية ومنهج فكري معادي للدين أو لتضارب مصالحهم مع مواقف العلماء أو أنّ نفوسهم المريضة تأبى تقبل العلماء العاملين ؛ ولذا يبتدعوا أموراً لتشويه حركة العلماء الرسالية ووصفها بما لا يليق من أجل إيقافها أو عرقلة مسيرتها بوضع المعوقات لها ، منها.

الأمر الأول : لا يحق للعلماء التدخل في أمور السياسة، بذريعة الفصل بين الدين والسياسة، وكأنّ العلماء ليسوا جزءاً من الشعب يطالهم ما يطال الشعب من تأثيرات الفساد والظلم والجهل بسبب الآراء والمواقف والمناهج السياسية الحاكمة الموصوفة بالانحراف والظلم والعدوان على كافة المستويات .

الأمر الثاني : لا يحق للعلماء ابداء رأيهم فيما يخص المشاريع الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية والاستثمارية ومختلف أنواع المعاملات، وكذا ما يتعلق بسياسة البنوك الأهلية والحكومية؛ لعدم اختصاصهم فيها؛ وتحت هذه الذريعة يشغل الفاسدون العمل بالساحة من دون رقابة نزيهة واعية وعادلة، فيكون تصوير هؤلاء للأمر وكأنّ حُكّام العالم ونوابهم واتباعهم منذ فجر التأريخ وإلى يومنا هذا لديهم كافة الاختصاصات التي تؤهلهم للحكم في جميع الأشياء مع أن الثابت تأريخياً والمعلوم حالياً أنهم طغاة مستبدون وظالمون منتهكون لحقوق الإنسان ومحاربون لشريعة الله تعالى في أرضه، وممن يتصفون بالجهالة والسفاهة، بخلاف ما عليه الأنبياء والرسل والأوصياء والعلماء الذين هم بناة حضارة لوافر علومهم ومعارفهم ومنجزاتهم على مختلف الصُعُد مسددين من الله تعالى.

إذن العلماء الأمناء العدول امتداد طبيعي للأنبياء والرسل والأوصياء، و خبرتهم المتراكمة في الحياة مستمدة من التجارب والعلوم والمعارف التي يمتلكوها وهي تفوق بكثير من أدعياء الخبرة والتخصص من قادة الأمم وحُكّامها الطغاة والسفهاء، كما إنّ لهم الأهلية في تدبير شؤون الأمة ونظم أمرها ورعاية مصالحها ، ويكفي السعي الجاد للعلماء العاملين الرساليين في تحقيق الأهداف المشروعة والسامية للشعوب من أجل الحياة الكريمة بعد أن يعمدوا إلى تنقيح الموضوعات أو تشخيصها إن لم تكن الشريعة قد كشفت عنها بوضوح، وكذا استعانتهم بالخبراء والمختصين الثقات من أجل أن تتضح لهم الرؤية لمعرفة الحكم الشرعي وبيانه ، وهذه طريقة العقلاء والمتشرعين، علماً إنّ هؤلاء العلماء ممن يحملون العلم والمعرفة ويتصفون بالأمانة والنزاهة والجهاد وحسن الإدارة والتدبير؛ ولذا لا يكونوا مادة طيّعة بيد الملوك والأمراء والرؤساء والأحزاب والتيارات السياسية لتمرير مآرب ضيقة بل لهم جهة انتماء وولاء وطاعة للحق والعدل والعلم والمعرفة والأخلاق المأخوذة عن الله تعالى والمتجسدة بشخص نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الأمر الثالث : لا ينبغي للعلماء ممارسة الدور الرقابي على العمل الحكومي في مفاصل العمل السياسي والخدمي ورصد الثغرات والمفاسد فيها، أو الإطلاع على المشاريع ومعرفة ايجابياتها وسلبياتها؛ لأنه ليس من اختصاصهم، وهذه دعوى لا يميزون فيها بين جهة الاختصاص والعمل المهني وبين الإشراف ومتابعة سير العمل ونوعية الإنتاج وكميته قياساً مع المُدد الزمنية المخطط لها مع الحرص على معالجة التلكؤ والبطء أو التوقف في العمل، في حين أنّ هذا الإطلاع وهذه المعرفة لا تحتاج إلى دقة في الاختصاص، فضلاً عن كونها من حق الشعب، وبما أنّ العلماء جزء من الشعب وهم أقدر على تشخيص ما ينفع الشعب فيكون رأيهم بعد اطلاعهم على الواقع والتداول والتشاور بشأنه ذا قيمة علمية وتأثير مجتمعي كبير، وهذا سلوك عقلائي يلجأ إليه أرباب الاختصاص وغيرهم ؛ ولذا من الجهل والسفاهة والقباحة تجاوز هذا الدور أو الاستهانة به من أجل إرضاء أرباب المواقف المؤدلجة والمصالح الضيّقة والنفوس المريضة والجاهلة والفاسدة.

وعليه كما توجد جهات رقابية نيابية ولجنة نزاهة وسلطة إعلامية، كذلك لابد أن توجد رقابة علمائية على مجريات الواقع السياسي والخدمي لتكون رقابة غير مُسَيّسَة ولا متحزبة وإنما تعمل خدمة للصالح العام فتسعى لنشر الوعي وإحقاق الحق وإقامة العدل لكون السلطات الرقابية الرسمية ثبت فسادها وعدم نزاهتها وفشلها، وهذا ما يجعل الرقابة العلمائية محط أمل الشعوب لتبصيرها بالمصالح والمفاسد، وتنوير أُفق حياتها بكشف الواقع وتحرير المواقع وتحذير دوائر الدولة ومؤسساتها من الوقوع في المفاسد وانتهاك الحقوق مع أخذ دور الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبه المختلفة لتكون كلمة الحق هي العليا إلا إنّ الفاسدين والفاشلين ومَن يسير في ركبهم لا يريدون للعلماء أخذ دورهم الرسالي في الحياة خوفاً من كشف زيفهم وفضح فسادهم بما يؤدي إلى إثارة الشعب ضدهم وعزلهم عن مواقعهم ومحاسبتهم.

إذن فالعلماء أمناء الرسل، وقادة الأمة، وكما لهم الاختصاص الواضح في علوم الدين والشريعة فلهم الحق ايضاً في الحياة وتقرير المصير والدفاع عن المصالح والتحذير من المفاسد الذي يمليه عليهم الدّين وحقهم في الدفاع عن الوطن وحقوق المواطنين.

ومما يُثير العجب والغرابة الذي يكشف عن إصابة هؤلاء بمرض انفصام الشخصية لاعتمادهم الازدواجية في المعايير والوقوع في المهازل العقلية والخُلُقية ؛ لأنه في الوقت الذي لا يريد هؤلاء المؤدلجون و المرضى والمتخلفون أن يتدخل العلماء فيما هو حق شرعي لهم ووطني، نجدهم لا يعترضون على تدخل الآخرين فيما هو بعيد عن اختصاصهم وحقهم، بل نجد المباركة لهم والدفاع عنهم تحت ذريعة حرية الفكر والرأي والتعدد، وكذا الحرية الشخصية والديمقراطية وما إلى ذلك من الأوهام والأباطيل والأضاليل، و أمثلة ذلك كثيرة ومثيرة للإشمئزاز وكاشفة عن القباحة والوقاحة كتدخل الملحدين والعلمانيين والشاذين والنساء الداعرات الفاجرات وأرباب الدياثة والمتخلفين في تفسير القرآن الكريم واستنباط الأحكام الشرعية والترويج لهم إعلاميا تلبية لطلباتهم الشيطانية التي تحركها الأهواء والغرائز والأموال والشهرة والعداء للدين ورموزه، ومع ذلك ورغم ارتفاع الأصوات النشاز التي تنتقد العلماء على طول الخط، فإنّنا لا نجد منهم أي موقف عقلائي أو شرعي أو عرفي ضد هذه الفئة الفايروسية التي التي تظهر على القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي وهي تتدخل بشكل قبيح وسافر في اختصاصات علماء الدين وتستبيح أحكام الشريعة تلبية لطلبات الأسياد والمستمعين، و المنتشرة بشكل مقزز لترويج الفساد والإنحراف الديني والخلقي، وهذا نتاج الازدواجية في القيم والمعايير - تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ -.

ولم يقتصر الحال على ما ذكرنا بل نجد التفاعل مع هؤلاء والمباركة والتشجيع لهم والدفاع عنهم إلى الحد الذي يكشف عن انحدار المجتمع وتشرذمه واصطفافه مع الباطل، والعياذ بالله تعالى.

إذن ندرك بحسب الوجدان أنّ رضا الناس غاية لا تدرك؛ وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : رضا الناس غاية لا تُدرك، فتحرَّ الخير بجهدك، ولا تبال بسخط مَنْ يرضيه الباطل.

ولذا ينبغي على العلماء السير قُدُماً نحو الإصلاح والتغيير وأداء الدور الرسالي في مختلف مجالات الحياة، ولا يلتفتوا إلى صراخ وعويل المرجفين والمنافقين والفاسدين والفاشلين والسفهاء والجاهلين وأعداء الدّين. والحمد لله رب العالمين.


أبو الحسن حميد المُقَدَّس الغريفي

النجف الأشرف

١ / شعبان / ١٤٤٣ للهجرة

 دور العلماء العاملين بين الرد والقبول

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك