1‏/7‏/2022

ادارة الموقع

كثرة الأصحاب مع قلّة الأصدقاء

كثرة الأصحاب مع قلّة الأصدقاء
.............................................
      استناداً إلى الأدلة النقلية والعقلية والتجارب الكثيرة والمتكررة، فقد ثبت أنّ الأصل في العلاقات هي الصُحْبَة وليست الصداقة، ولا عِبْرَة بكثرة العلاقات الهامشية؛ لأنها لا تكشف عن الصداقة الصدوقة ( الخُلَّة)؛ ولذا لا يصح التعبير عن هذه العلاقات الكثيرة بالصداقات، وبالتالي يكون الأصل في العلاقة هي الصُحبة إلا ما ثبت بدليل أنها قد ارتقت إلى رتبة الصداقة،  وهذا الأصل ثابت بحسب التتبع كما ذكرنا. 
ومن هذا المنطلق لا يصح الخلط بين الصُحْبَة والصداقة، و الجدير بالذكر وما ينبغي على الإنسان أن يقوله هو : لي أصحاب كُثُر وقليل منهم أصدقاء إنْ لم يتم نفي وجود الأصدقاء ؛ لأن الصداقة لها شروطها وضوابطها وآدابها التي لا تتوفر في غالب الناس لسرعة تقلباتهم وانقلاباتهم بمجرد إنتهاء مصالحهم وأهوائهم وأمزجتهم فينشغلوا عنك بأمور أخرى وتصبح عندهم على هامش الحياة، بل يكشف بعضهم عن الوجه الحقيقي المُعَبّر عن الحقد والحسد وخبث السريرة بحيث سرعان ما تجده يصطف مع الأعداء المحاربين لك ويرتمي في أحضانهم ليبيعك بأبخس الأثمان وأوهن الأعذار وأيسر الأحوال، كما قد يمارس بعض الأصحاب ضدك الكذب والبهتان والتسقيط والتشهير وكل أساليب الخبث والغدر  والعدوان ؛ ولذا انتبهوا إلى علاقاتكم ومَيّزوا بين الصاحب والصديق، وبين الأمين والخائن، واحذروا بذلك على بيوتكم وأسراركم ومصالحكم ولا تفرطوا بها، واحتفظوا باصدقائكم بعد التثبت من صداقتهم، ولا تأسفوا على مَنْ فارقكم لأسباب واهية وباطلة، ولا تعتبروه خسارة ؛ لأن الراحة والاستقرار والأمان في فراقهم وهو ربح كبير. 
وقد قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف / ٦٧. وأعظم وأخطر موقف على الإنسان هو عند الحساب يوم القيامة ولكنّ الأخلاء المتقين يشفع بعضهم لبعض بخلاف غيرهم، فلا يترك الصديق التقي صديقه حتى يدخله معه الجنة، في حين يبرأ الآخرون من بعضهم لهول المشهد والحساب. 
والأحاديث صريحة في بيان رتبة الصداقة كما في  وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي ذر الغفاري : يا أبا ذر، المجالس بالأمانة، وإفشاؤك سر أخيك خيانة، فاجتنب ذلك.
وقال الإمام علي عليه السلام :  لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث : في نكبته وغيبته ووفاته.
وقال أيضاً عليه السلام : لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك.
و عن جنادة بن أبي أميّة قال : دخلت على الحسن ( عليه السلام ) في مرضه الذي توفّي فيه ، فقلت له : عظني يا بن رسول الله، فقال :
واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً ، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان ، فاخرج من ذل معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزَّ وجلَّ .
وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة ، فاصحب مَن إذا صحبته زانك ، وإذا أخذت منه صانك ، وإذا أردت منه معونة أعانك ، وإن قلت صدَّقك ، وإن صلت شدّ صولتك ، وإن مددت يدك بفضل مدّها ، وإن بدت منك ثلمة سدّها ، وإن رأى منك حسنة عدّها ، وإن سألته أعطاك ، وإن سكتَ عنه ابتداك ، وإن نزلت بك إحدى الملمّات واساك ، مَن لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق ، وإن تنازعتما منقسماً آثرك.
وقال الإمام الصادق عليه السلام : المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدّة فيخلفه.
وقد ذُكِر  في الشعر ما يفرز بين الصاحب والصديق :
      وَلاَ خَيْرَ فِي وِدّ امْرِئٍ مُتَلَوّنٍ
              إِذَا الريحُ مَالَتْ مَالَ حَيْثُ تَمِيلُ
     وَمَا أَكْثَرَ الْإخْوَانَ حِينَ تَعُدُّهُمْ
               وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَاتِ قلِيلُ.
وقد قيل أيضا :
        جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ
                وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي
       وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِن
              عَرَفْتُ بها عدوّي من صديقي.

أبو الحسن حميد المُقَدَّس الغريفي
النجف الأشرف
٢٨ / شوال / ١٤٤٣ للهجرة

كثرة الأصحاب مع قلّة الأصدقاء

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك