20‏/11‏/2019

إدارة الموقع

فصل الخطاب في ثورة الشباب : رسالتي إلى أخواني وأبنائي من الشعب العراقي الكريم


الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
وبعد : 

رسالتي إلى أخواني وأبنائي من الشعب العراقي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال تعالى : [ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ] البقرة/ 204 - 206 .
وقال تعالى : [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ] البقرة / 11- 12 .
منذ بدء العملية السياسية بعد سقوط النظام البائد نجد أنَّ المرجعية الرشيدة قد حرصت على انجاحها لأجل حفظ النظام وتدبير شؤون العباد واسترجاع سيادة العراق إلا أنَّه وبسبب فساد وظلم وانحراف الأحزاب والتيارات السياسية وانقسام الشعب إلى عناوين حزبية وفئوية و... ووقوعه فريسة لسياسة الترغيب والترهيب وتضليله بشعارات زائفة ووعود كاذبة حال دون تحقيق ذلك النجاح حتى وصلت العملية إلى منعطف خطير وطريق شائك مسدود ، وعليه لابد من ايجاد معالجات ثورية جذرية لتغيير الواقع وتطهير المواقع وإلا فلا تأملوا خيراً من هذه الطبقة السياسية التي لا تنضبط ولا تُضْمَن بأيّ حال حتى لو وضعتم لهم القرآن الكريم دستورا وسيرة أمير المؤمنين منهجا ، وبما يكشف على أنَّ الخلل لا ينحصر في الدستور بل فيما هو الأعظم خطراً المتعلق بطبيعة ادارة الأحزاب وتطبيقاتها لفسادها وانحرافها وعدم أهليتها لإدارة الدولة .
ومن هنا فإنَّ كلمة الفصل بيد الشعب الثائر الذي أدرك واقع الأحزاب السلطوية الفاسدة حيث أيقظته الآلام والأوجاع والجراح وتراكم الظلم والفساد الذي وصل إلى حدٍّ لا يُطاق في حجمه ونوعه وأساليبه ليمتد إلى سرقة أحلام الأجيال القادمة لعقود من الزمان بلا وازع من ضمير أو دين أو وطن ، فخرج إلى الشارع ليُعَبِّر عن مظلوميته وقهره ومصادرة حقوقه وحقوق أجياله وينشد التغيير وتصحيح المسار واجتثاث الفساد والمفسدين كمطلب جماهيري مشروع نابع من صميم عدالة السماء والمُثبَّت في الدستور على أن لا يتجاوز الأطر السلمية والحدود الوطنية حتى لا تتشظى هذه الثورة المطلبية ولا تضعف ولا تخرج عن مسارها الجماهيري إلى حدود ضيِّقة فتكون غير قادرة على تحقيق المطالب الإنسانية والطموحات المشروعة .
وعليه فمن يتطلع إلى أمل مشرق ومستقبل زاهر وعراق بلا تسلط أحزاب ولا هيمنة عصابات دموية ولا احتلال المستعمرين لابد أن لا يَرجع إلى الوراء ليُمَجِّد أنظمة بائدة موصوفة بالظلم والفساد والفشل وسفك الدماء والحروب فتختلط الأمور بعضها ببعض ويلتبس الحق بالباطل من دون احراز تحرر حقيقي من قيود الخائنين والظلاميين والعدوانيين ، ولذا لابد من التوجه في المسيرة وفق رؤية واضحة ونظر ثاقب وحكمة متعالية ومصلحة عليا ، وأن تكون الشعارات والأهازيج والأناشيد مُعَبِّرة عن واقع الثورة والحقوق المطلبية ولا تخرج عن حدود ذلك إلى استعداء دول الجوار وإلقاء التُهَم الكيدية واستعمال السب والشتم الذي لا مُسَوِّغ له عرفاً وشرعاً وقانوناً وبما يؤدي إلى تعقيد الأمور وتشتيت التوجهات وإثارة أزمات موروثة عن النظام البائد البغيض ، بل يتعدى الحال إلى المس بألفاظ نابية وتُهَم جاهزة وأوصاف غير لائقة ذات دواعي قومية أو مذهبية أو سياسية أو شخصية أو في اطار حركات ضالّة ومنحرفة اتجاه المرجعية الدينية وطلبة الحوزة العلمية الذين هم حماة الدين والوطن مُضافاً إلى تمثيلهم لأكبر شريحة من الشعب ، فتكون الإساءة الصادرة إليهم تبعاً لتوجيهات وأهداف خارجية وداخلية يعمل عليها المرتزقة والمُضلِّون ، ويلهج بها الضالّون المُغَرَّر بهم في عملية ظالمة لخلط الأوراق على الناس باتهام الدّين ورجاله بمختلف التُهَم الباطلة والظالمة من دون فرز وتمييز بين عمائم الأحزاب والسلطة وعمائم العلم والدّين والإصلاح رغم وجود البَوْن الشاسع بينهما ، حيث أنَّ عمائم الحوزة العلمية كانت وما زالت رمز الإباء والجهاد والتضحية و... ، وتأريخهم وحاضرهم خير شاهد على ذلك بما لا تختلف معاناتهم عن معاناة باقي الشعب .
كما لا ينبغي التجاوز على الأحرار المقاومين المجاهدين الذين قاوموا الاحتلال الأمريكي وقاتلوا الصهاينة والإجرام التكفيري ووَصْفِهِم بأوصاف ظالمة ، ومَن يستعمل هذه التوصيفات فهذا يعني أنَّه يُلَبِّي ما كان يصبو إليه أعداء الدّين والوطن واستجابة لما تُرَوِّجه القنوات المأجورة التي تبحث أيضاً عن موطئ قدم في السلطة لتمرير مخططات أيتام النظام البائد وأسيادهم الذين يسعون لاختطاف هذه الثورة ليتسلطوا على زمام الأمور في البلد ، وليس ببعيد تواجد هؤلاء الأيتام بين الشباب الوطني المتظاهر وانكشافهم من خلال رفعهم رايات وشعارات وأناشيد وممارستهم لسلوكيات غير منضبطة في القول والعمل ،  فتسيء إلى الدّين والوطن والمقدسات والرموز والشعائر بذريعة الولاء للوطن وكأنَّ الآخرين لا يملكون الولاء لوطنهم ، فيكون هذا التصرف وغيره يمثل الوجه الآخر للغزو التكفيري الإجرامي الذي يُثير الفتن والصراعات الداخلية لجعل الشعب يستعدي بعضه بعضاً ويزيد من حدَّة الانقسام والخلاف ، فيستثمر ذلك لارتكاب ما يخل بأمن البلد واستقراره وإثارة الشغب لخلق حرب أهلية لا تُبقي ولا تذر ، فكونوا يقظين وعلى حذر من تسلل هؤلاء الأيتام والغرباء الذين يحملون أجندات معادية للوطن ويريدون تخريب هذه الثورة الشعبية الصالحة وحرف مسارها عن مطالبها المشروعة ووسائلها الدستورية ، لأنَّ الفساد لا يُعالج بالفساد.
ولابد من العلم أنَّ العملية السياسية قد عاشت أكبر كذبة وهي الديمقراطية والانتخابات والانتقال السلمي للسلطة واجتثاث البعث وغيرها ، حيث لا وجود لديمقراطية حقيقية بالمفهوم المصطلح عليه بل هي محاصصة طائفية ومذهبية وقومية وحزبية بما تُسمّى بالديمقراطية التوافقية التي هي على مقاس البلدان المتخلفة والضعيفة ، وأما الانتخابات فلم يشهد العراق انتخابات نزيهة ولو بنسبة متوسطة بل المواقع الجغرافية لمراكز الاقتراع محصورة في حدود مناطقية لطائفة خاصة أو مذهب أو قومية أو حزب ، وكلّها تشهد علناً في مراكزهم ومخازن حفظ الصناديق أكبر وأشهر عمليات التزوير ، وكان آخر فضيحة فيها ما جرى في الانتخابات النيابية الأخيرة التي سقطت ولم تصل نسبة المشاركة فيها إلى 25 %  لعزوف الشعب عنها حيث لا يوجد الصالح الذي يستحق انتخابه كما لا فائدة من الانتخاب لتشبث نفس الأحزاب والوجوه بالسلطة مع مساعدة القانون الانتخابي الفاشل لذلك ، ومع ذلك مُرِّرَت هذه الانتخابات بتزوير النسبة مع تزوير الكثير من صناديقها وبعلم ودراية الأمم المتحدة ودول العالم وموافقتهم على ذلك تحت ذريعة حفظ السلم الأهلي ، وأمّا مع انتهاء دورة رئيس الوزراء وفشله فلا يخرج عن منصبه إلا بالضغط الشديد والتفاهمات السرِّية معه ، وأمّا اجتثاث البعث فإنَّ المجلس النيابي والحكومي والقضائي ومؤسسات الدولة مليئة بكبار البعثيين المندمجين مع أحزاب السلطة والذين يمثلون الجزء الكبير من منظومة الفساد الإداري والمالي والأمني ، ولذا فالشعب لا يُريد أن يحكم البلد " البعثيون القدامى والبعثيون الجُدد " حيث حزب البعث قديماً والأحزاب الجديدة التي هي امتداد لذلك الحزب في ممارساته وألاعيبه ، لكي لا يعيش في دوامة الفساد والفشل والإرهاب. 
ويقتضي لذلك كلّه العمل على التغيير بما فيه مصلحة الشعب أولاً وآخراً كتعديل الدستور واختيار قانون انتخابي يسمح لكل فرد الترشح وفق شروط وضوابط صالحة ، وأن يكون نظام الحكم رئاسياً ، وإلغاء مجالس المحافظات والمحلية والبلدية ، وتقليص عدد النواب إلى النصف ، وإلغاء المحاصصة المقيتية بكل أوجهها ، وتقليل رواتب الرئاسات الثلاث والنواب والوزراء والمدراء إلى حَدٍّ معقول أسوة بالبلدان المتقدمة مع إلغاء المخصصات والامتيازات والمنح وغيرها إضافة إلى إلغاء تقاعدهم إلا لمن كان موظفاً حكومياً فيُعامل معاملة الموظفين حتى لا يطمع اللصوص بالترشح أو التسابق لنيل هذه المناصب ، ولكي لا تضيع ميزانية الدولة بين فئات استفادوا من الدولة في فترة قصيرة محدودة ولم يُقَدِّموا لها ما تستحق بل أساءوا إليها وحَمَّلوها الديون الضخمة وفتحوا عليها أبواب الجهل والمرض والتخلف والفساد والانهيار ، وضرورة توحيد الرواتب لمن يقبض أكثر من راتب حكومي تحت عناوين متعددة ، ومنع مزدوجي الجنسية من الترشح لمناصب الرئاسات والنواب والوزراء والمحافظين ، وإلغاء النظام الفدرالي وتحديد الحكم الذاتي للكرد وضبط حدودهم بالمحافظات الثلاث وهي أربيل والسليمانية ودهوك كما كانت قبل 2003م ، مع ضبط علاقاتهم الخارجية ، وأمَّا كركوك فهي تابعة للمركز بلحاظ كونها محافظة مختلطة من العرب والتركمان والكرد وكلهم على حدٍّ سواء بلا تمييز ولا مفاضلة لأي دواعي كانت ، ولقطع مادة النزاع والخلاف بين ابناء الشعب الواحد لابد من إلغاء المادة الدستورية ( 140 ) لأنَّ أرض العراق واحدة موحدة لا ينبغي التنازع عليها ، ومنع أي استفتاء يدعوا للانفصال ، والمحاسبة على تصدير نفط كردستان وواردات المنافذ الحدودية أسوة بباقي المحافظات ، وتأسيس وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي تضم في ادارتها هيئة الحج والعمرة وأوقاف الطوائف والمذاهب المختلفة في العراق ، وجعل النظام الاقتصادي انتاجي لا ريعي يقتصر في مدخوله على النفط بل لابد من اعتماد الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة وما إلى ذلك لتنويع مصادر المال وتوفير فرص عمل للشباب وتحقيق العدالة الاجتماعية للشعب ، وحصر السلاح بيد الدولة مع تقوية الجيش والشرطة وتنظيم الأجهزة الأمنية وتجهيزها بأحدث التقنيات ، وسن قوانين لمحاسبة الفاسدين واسترداد المال المنهوب ، والتعامل مع الشعب في كل مفاصل الدولة على أساس الكفاءة والمواطنة الصالحة وبما يمنع من المحاصصة وتكريس الطائفية والمذهبية والقومية والحزبية ، وإلى غير ذلك من التفاصيل التي يُمكن لها أن تؤسّس نظاماً صالحاً.  
والحديث عن العراق الجريح والسليب لا ينتهي ولا تسعه المجلدات ونكتفي بما أوردناه سابقاً بحسب تسلسل الأحداث وطبيعة المواقف ، ولا يسعنا إلا الدعاء بالسلامة والنصر المؤزر لشبابنا وتحقيق كامل الأهداف المشروعة إنَّه سميع الدعاء ، كما نسأله تعالى بتعجيل فرج الإمام صاحب العصر والزمان لتحقيق دولته الموعودة وأن نكون من أنصاره وأعوانه والذابِّين عنه والراضين بفعله والمُسَلِّمين لأمره والمستشهدين بين يديه إنَّه أرحم الراحمين.

ابو الحسن حميد المقدس الغريفي
21/ربيع الأول/1441هـ
النجف الأشرف

فصل الخطاب في ثورة الشباب : رسالتي إلى أخواني وأبنائي من الشعب العراقي الكريم

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك