4‏/10‏/2021

ابو زينب

السيد علي الغريفي الكبير أول غريفي عاد إلى موطن أجداده (النجف الأشرف)

بقلم / السيد زين العابدين المقدس الغريفي
أستاذ في الحوزة العلمية / النجف الأشرف 

تمتلك الأسرة الغريفية في النجف الأشرف مكانة مرموقة ولها وجود لافت وكبير بين الأسر العلمية ؛ نتيجة لكثرة الفقهاء والعلماء والمفكرين والخطباء منهم ممن لهم بصمات واضحة وآثار ظاهرة في المسيرة العلمية للحوزة المباركة لقرون متوالية ، ومن الواضح لمن تتبع تاريخ الأسرة إن رجوعهم من البحرين إلى بلدهم وموطنهم العراق بدأ من جدهم الفقيه الكبير المحقق آية الله السيد علي بن السيد اسماعيل الغريفي (قدس سره الشريف) في بدايات القرن الثالث عشر ، حيث ينتسب الكثير من أبناء الأسرة في العراق إليه ، ولقب بالكبير تمييزاً له عن حفيده الفقيه الأصولي آية الله السيد علي بن محمد الغريفي قدس سره (ت:1302 هــ) صاحب كتاب (مقابس الأصول) والذي لقب بالصغير  .
والكلام عنه ينحل إلى مطالب : 

1 ــ ولادته ونشأته .
هو السيد علي بن السيد اسماعيل بن محمد بن علي الغياث بن احمد المقدس بن هاشم بن علوي عتيق الحسين بن حسين الغريفي الموسوي .
ولد في البحرين ونشأ فيها تحت رعاية والده وأسرته في قرية سترة جنوبي المنامة في البحرين ، حيث كانت لهم زعامة وعلم وفضل مشهود . وكان والده مقدماً بين أقرانه سديداً في الرأي شديداً في الحزم يعد من أشراف البحرين وساداتهم . 
تتلمذ سيدنا الجد ــ المترجم ــ على يد أعلامها ــ من المحدثين والأصوليين ــ مقدمات العلوم الدينية من النحو والصرف والفقه والأصول ، وبرع في النحو وعلوم العربية حتى لقب بــ (سيبويه) ، تشبيهاً له بإمام النحاة وحجة العرب وأعلمهم في معرفة اللغة سيبويه النحوي ؛ مما يكشف عن اجتهاده وتقدمه وعلو باعه في علوم اللغة من النحو والصرف والبلاغة .

2 ــ هجرته إلى النجف الأشرف.
هاجر إلى النجف في حياة أبيه السيد اسماعيل طلباً للعلوم الدينية وهرباً من ظلم السلطات الظالمة آنذاك ، حيث تغلب على البلاد تحالف العتوب القبلي بعد حروب دامية ومعارك طاحنة مع القبائل المتواجدة لأجل السيطرة على عموم البحرين وتوطيد دعائم ملكهم ، فكانوا يطاردون كل معارض لهم لأجل تصفيته والتخلص منه ، ولما كان سيدنا المترجم من المعارضين لحكمهم والمقاومين لوجودهم ؛ فقد كان لزاماً عليه بمقتضى الضرورة العقلية والشرعية الخروج من البلاد حفظاً على حياته من القتل ، ومن شواهد ذلك ما صرح به في قصيدة له يذكر فيها سبب مغادرته لبلده بقوله :   
حمى حوزة البحرين جدي ووالدي  ***  وقد أوقفونــي إثرهُم أطلب الوتــرا
أقمــــت علــى حــد المنامـــة قائماً  ***  بسـيف يريك الحد مستوزرا نصرا
أيســـتحكم العصـــفور فيها وعندنا  ***  أصول بها الصقر المدل بنى وكرا
وهو بذلك يعد أول غريفي عاد من البحرين إلى العراق واستوطن النجف الأشرف حتى توفي فيها ، ومن ثم توالت الهجرات بعده تباعاً إلى العراق .

3 ــ دراسته واساتذته .
عند وصوله إلى النجف حضر على كبار فقهائها أمثال السيد محمد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء  حتى بلغ مكانة مرموقة من العلم وأصبح من أساتذتها المقدمين الذين يشار إليهم بالبنان فدرس علوم العربية والفقه الأصول وحضر على يديه جملة من الأعلام أمثال : السيد مهدي القزويني .
وله صلاة قوية وعلاقات طيبة بأعلام عصره وأقرانه أمثال : الشيخ حسين نجف والشيخ خضر شلال والشيخ راضي نصار والسيد حسن الخرسان وأضرابهم .
فهو بحر في العلم والتقوى والأخلاق ، وله شعر رقيق قوي الديباجة يمتاز بإسلوب حسن ومضامين عالية تدل على نباهة وفطنة ونبوغ وحس مرهف ، ذكر فيه نتفاً من مآثر آبائه وأجداده ونضاله ضد الغزاة وبعض ما جرى على بلاده من ظلم وجور ، فتجد الابداع في توظيف المفردات اللغوية في قالب شعري يظهر فيه الفصاحة والبلاغة في أجمل وأبهى صورها حيث يستعمل المحسنات البديعية بشكل فني وأسلوب رائع يجعله في مصاف العظماء من الشعراء والبلغاء . 

4 ــ أقوال العلماء في حقه .
1 ــ السيد رضا النسابة الغريفي (ت:1339 هــ) : [السيد الأجل العالم الأفضل ، ذو الكرامات الباهرة ، والآيات البينات الدالات على شرف الآباء الأمناء من المتأخرين والقدماء ، أعني ذا الفضل الجلي ، العالم العامل السيد علي ... له شعر كثير رقيق ، ونبذ في مدح جده ... وكان ورعاً ثقة وجيهاً في النجف ، ويرون احترامه ويشهدون بتقواه ...وله كرامات عديدة ...]   .
2 ــ الشيخ جعفر النقدي (1370 هـ): [كان من أهل العلم والفضل والتقوى مدرساً مشهوراً في عصره يدرس علمي الفقه والأصول وكان ولادته في البحرين وفيها نشأ وأخذ من جهابذة محدثيها ثم هاجر إلى النجف فراراً من جور بعض الظلمة ... وأخذ عنه جماعة من الاعاظم كالسيد مهدي القزويني ، وكان يلقب بسيبويه لتضلعه في العربية ... وله شعر رقيق قوي الديباجة ]  .
3 ــ يقول السيد محسن الأمين (ت:1371 هـ)  : [عالم فاضل شاعر تلمذ على بحر العلوم والشيخ جعفر ... وقرأ عليه السيد مهدي القزويني]  .
4 ــ يقول الشيخ علي الخاقاني : [من مشاهير علماء وادباء عصره ، ذكره الشيخ جعفر النقدي في كتابه الروض النضير]  .
5 ــ يقول محمد هادي الأميني : [كان من أهل الفضل والتقوى ومدرساً في الفقه والأصول ، له ديوان شعر]  . 

5 ــ وفاته .
اجتاح النجف الأشرف وبعض ضواحيها الطاعون الكبير ، مما أحدث اضطراباً كبيراً في البنية الإجتماعية والإقتصادية للمدينة ، حيث فتك بسكانها وذهب ضحيته الآلاف بما فيهم الكثير من العلماء والفقهاء والأدباء ، وهرب آخرون خوفاً منه إذ أحدث هلعاً ورعباً شديدين داخل المدينة خلده الشعراء والمؤرخون .
وممن وافته المنية بهذا الوباء سيدنا المترجم حيث توفي سنة (1246هــ) في النجف الأشرف ، وتولى تجهيزه السيد باقر القزويني ودفن في الصحن العلوي الشريف في أول حجرة على يمين الداخل من باب الطوسي ، وتسلسلها (2) ضمن الحجرات .

6 ــ أولاده وذراريه .
لم يعقب إلا ولداً واحداً وهو السيد محمد حيث كان عمره عند رحيل والده سبع سنين ، ومنه تنتشر ذريته اليوم في كثير من محافظات العراق ــ لاسيما النجف ــ وبعض البلدان المجاورة حيث فيهم الفقهاء الفحول ممن يشار إليهم بالبنان وينحني أمامهم كل انسان ، ممن حفظوا ذكره ونقلوا مآثره .


السيد علي الغريفي الكبير
أول غريفي عاد إلى موطن أجداده (النجف الأشرف)

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك