1‏/11‏/2022

ابو زينب

تهمة الخرافة الموجهة إلى الزيارة الأربعينية والرد عليها

بسم الله الرحمن الرحيم
الى سماحة اية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي دام ظله 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  
حدث في القرون الاخيرة  لاسيما بعد  سقوط النظام البعثي الظالم اتهام للشعائر الحسينية عموماً ومسيرة الاربعين خصوصا بـ (الخرافة). 
فاطلب من سماحتكم تقريب وجهة نظرهم بهذا الاتهام وبيان الرد المناسب. 
جزاكم الله خيرا وامد في عمركم لخدمة الشرع الشريف.  
علما اني طالب دراسات عليا في جامعة الكوفة /كلية الفقه واكتب حاليا رسالة الماجستير حول (مسيرة الاربعين).  
 

الطالب / حسين خضير عبيد  
١ / ٤ /٢٠٢٢م

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
باسمه تعالى
لا ينبغي الغفلة عن كون بعض تصرفات عوام الناس إنما تدخل في حيِّز الطقوس المكتسبة من عادات وتقاليد وأعراف بعض الأقوام والطوائف التي لا تستند في فعلها إلى دليل عقلي أو نقلي، ولا ترتبط بسيرة العلماء والفقهاء وعموم المتشرعة المتصلة بعصر المعصوم عليه السلام، ورغم ذلك توجد محاولات حثيثة لإلصاق ذلك بالدّين ومنحها صفة العقلانية والمشروعية من خلال اعتماد أخبار لا أصل لها فضلاً عن قراءاتهم الخاطئة للنص الديني أو الحدث التأريخي أو استغلال الإثارة العاطفية لتحميل الدين ما لا يحتمل، فيُدخلون ما ليس من الدّين في الدّين؛ ولذا لا يبعد وصف تلك التصرفات والتنظير السردي لها بالخرافات والأساطير والأوهام التي تكون مُنَفّرِة في واقعها عن الدّين، بل يُحكم عليها شرعاً بالحرمة.
ومن هنا يستغل أعداء الدّين هذه الممارسات كذريعة للتشنيع على الدّين ورموزه ورميهم بمختلف التُهَم الباطلة كالخرافة وأمثالها، وهم منها براء.
وعليه لابد من التمييز بين الطقوس والشعائر؛ علماً إنّ الطقوس في غالبها عادات وتقاليد وأعراف وتخيلات لا تستند إلى سبب عقلي أو منطقي أو شرعي، في حين أنّ الشعائر راجحة عقلا وثابتة نقلا، وهذا ما يمنح عموم الممارسين لها اليقين الاعتقادي والتسليم العبادي؛ بحيث لا تؤثر عليه نظرة العدو السلبية مهما كانت دوافعها.
وبعد هذه المقدمة المقتضبة نجد الأعداء ومرتزقتهم وبعض المُغرّر بهم يجعلون زيارة الأربعين من الطقوس الخرافية إلا إنّ زعمهم واضح الزيف والبطلان ومكشوف النوايا والأهداف؛ ولذا لا يصح بأيّ حال وصفها بالخرافة والأسطورة والعبثية وما إلى ذلك من أوصاف باطلة لعدة أمور نذكر منها :
  
الأمر الأول (الرجحان العقلي) :  إنّ الزيارة الأربعينية المليونية لمرقد الإمام الحسين عليه السلام فيها من الرجحان ما لا يخفى على الحكماء؛ حيث تهدف إلى جعل كلمة الله هي العليا وكلمة أعدائه هي السفلى مع تضمنها قوة إعلامية داعوية ناهضة ومؤثرة ، فضلاً عن كونها تجمعاً باعثاً على تماسك الأمة ووحدتها وتحديد بوصلة حركتها باتجاه واحد رغم اختلاف مكوناتها وأطيافها ومذاهبها وتباعد أمكانهم، أضف إلى كونها من الهجرة إلى الله تعالى لمعرفة خليفة الله ووليه وحبيبه وإمام الأمة الناصح الحسين بن علي عليهما السلام مع ضرورة موالاته ومودته وجعله قدوة وأسوة بمتابعة منهجه وقيامه الإصلاحي واستلهام المواعظ والعِبَر من موقفه إتجاه الجاهلية الثانية من عُبّاد الطغاة والأموال، كما إنّ الزيارة لا تخرج عن كونها إعداداً رسالياً للأمة واستجماعاً للطاقات وتنويعاً للنشاطات، بل هي من الجهاد في سبيل الله على صُعُد مختلفة حيث تُبْذَل الأموال والأنفس لتجسيد معالم الإيمان ومكارم الأخلاق وخدمة الناس بعضهم بعضا تقربا إلى الله تعالى ومودة بأهل البيت عليهم السلام وتلبية لنصرة المنهج الحسيني الذي يُعِد الأنفس للتضحية من أجل إحقاق الحق وإماتة الباطل وتمهيداً لعصر الظهور الشريف ، فيكون الحضور عند مرقده المقدس بهذه المناسبة وأمثالها  فيها دلالات واسعة ومقاصد عقلائية مهمة، ثُمّ إنّ هذه الزيارة فيها إحياء أمر الدّين والاعتصام بحبل الله المتين والتمسك بالعروة الوثقى مع توحيد الخطاب وتحديد الهدف وبيان مظلومية الإمام عليه السلام والاتفاق على حقانية دوره الإصلاحي والبراءة من الطاغوت والكفر به والسعي الجماعي بروح مؤمنة تملؤها المحبة والمودة والتكافل الاجتماعي والكرم الخارق والإيثار والإعداد للتضحية وفاءً بالعهد وتلبية لصرخة الحق إتجاه الباطل؛ وهذا مما يُرهب الطغاة ويُزلزل عروشهم ويُحطم مصالحهم الإستكبارية في كل عصر؛ ولذا تعرضت زيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام عبر التأريخ وإلى عصرنا الراهن الكثير من المواجهات والتحديات والمخاطر من خلال قيام الطغاة وأذنابهم بمنع الزوّار أو فرض الضرائب عليهم أو حبسهم أو قتلهم بمختلف الوسائل، بل السعي لحرث مرقده الشريف عدة مرّات إلا إنهم لم ينجحوا، ولم يكتفوا بذلك، بل صاروا يثيروا الشبهات والتشكيكات والاشكاليات  مع كيل التُهَم الباطلة من أجل تفريق هذا الجمع المليوني وإفشال هذا المنجز الرسالي العظيم الذي لم يشهد التأريخ له مثيلاً على الإطلاق، والذي صار مصدر قلق ورعب للأعداء؛ وما ذكرنا من موارد ودلالات إنما هي مقاصد عقلائية مطلوبة على صعيد الفرد والجماعة، بل لابد من استثمار ذلك لخلق توازن رعب وردع لأعداء الامة وطغاتها. 
إذن ما هو راجح عقلاً وفعله حسنٌ لما يحمله من آثار دنيوية وأخروية إيجابية لا يصح وصفه بالخرافة؛ بل لابد من الحث والتشجيع على هذه الزيارة بأوسع نطاق وباستعمال أحدث الوسائل والآليات والتقنيات مع بث خطاب رسالي توعوي مركزي يستنهض الهمم لفعل كل ما فيه خير وصلاح وردع كل ما فيه شر وطغيان ؛ لأنّ الرسالة الحسينية إنما هي هجرة إلى الله لجعل كلمة الله هي العليا وكلمة أعدائه هي السفلى.

الأمر الثاني ( استحباب الزيارة الأربعينية) : من المعلوم والثابت شرعاً هو استحباب زيارة الحسين عليه السلام أفراداً وجماعات في عموم أيام السنة مع تأكيد استحبابها في بعض ليالي وأيام السنة كالزيارة الشعبانية ويوم عرفة والعاشر من محرم وغيرها، بل إنّ هذه الزيارة الأربعينية من الشعائر العبادية المستحبة بنحو مطلق والمُشار إليها بنحو خاص أيضاً، وكما هي في ذاتها راجحة عقلاً، فهي أيضاً ثابتة شرعاً،  حيث ورد في معتبرة صفوان الجمال أنّه قال : [قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين : تزور عند ارتفاع النهار وتقول : السلام على ولي الله وحبيبه ...] (١) . 
وأيضاً ورد في حديث قد أرسله العلماء إرسال المسلمات روي عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام أنّه قال : [علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] (٢) . 
ومن الغرابة بمكان أن يتم تأويل الأربعين في النصوص بغير الزيارة الأربعينية لمرقد الإمام الحسين عليه السلام ولو احتمالاً من دون اجرائهم تحقيق في ذلك رغم وجود النص المعتبر في التهذيب، وكذا القرائن و الشواهد على إرادتها وقصدها. 

الأمر الثالث ( سيرة المتشرعة) : لم تكن الزيارة الأربعينية أمراً حادثاً في العصور المتأخرة بل لها جذورها الممتدة إلى عصر المعصومين عليهم السلام كما روي من زيارة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري لقبر الإمام الحسين عليه السلام يوم العشرين من صفر، وهو أول من زاره من الناس كما ذكر الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه مسار الشيعة حيث قال : " وفي اليوم العشرين - أي من صفر -، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاري - صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر سيدنا أبي عبد الله عليه السلام، فكان أول مَنْ زاره من الناس" (٣) . وذكر ذلك أيضاً الشيخ الطوسي رحمه الله في كتابه مصباح المتهجد (٤) ، و تناقل ذلك العلماء والمحققون من دون التعريض والتشكيك بأصل زيارته، وقد جرت سيرة المتشرعة المتوارثة طبقة عن طبقة وجيلا بعد جيل والمتصلة بعصر المعصومين عليهم السلام على التمسك بهذه الزيارة بمختلف طبقاتهم العلمية والاجتماعية و...، استجابة لتأكيد المعصومين عليها ، فتكون الزيارة الأربعينية من الأمور المعهودة لدى الشيعة؛ ولذا ما ذكره الإمام الحسن العسكري عليه السلام من كون زيارة الأربعين من علامات المؤمن إنما يؤكد ما كان معهوداً بين الناس والتي منها زيارة الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري وكذا ما رواه صفوان الجمّال عن الإمام الصادق عليه السلام بشأن زيارة الأربعين لمرقد الإمام الحسين عليه السلام حتى وصلت هذه السيرة المباركة إلى عصرنا الراهن، وهذه السيرة حجة شرعية في المقام. 
ومما تجدر الإشارة إليه أن زيارة الأربعين بالنسبة للأموات سُنّة قائمة لدى الأديان والشرائع والمذاهب المختلفة، كما إن  لمرور الأربعين خصوصية؛ حيث ورد في الصحيح عن  عبد الله بن هلال، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن السماء بكت على الحسين بن علي ويحيى بن زكريا، ولم تبك على أحد غيرهما، قلت : وما بكاؤهما، قال : مكثوا أربعين يوماً تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة، قلت : فذاك بكاؤهما، قال : نعم (٥) . وتتبعها روايات أخرى تحمل ذات المضمون من نفس المصدر. 
وفي كامل الزيارات عن زرارة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم، وإن الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة،.... وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام (٦) .

إذن البكاء أربعين صباحاً وما إلى ذلك لا يعني أنّ  الحزن والمصيبة مختصة بالأربعين يوماً ؛ بل من البر والوفاء بالعهد التواصل مع الميت بزيارة قبره يوم الأربعين، فما بالك إذا كان قبر سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام الذي إن لم ندرك نصرته في حضوره فلا ينبغي أن يفوتنا نصرته بعد استشهاده بالاقتداء والتأسي به ونصرة رسالته الإصلاحية ومنهجه الرسالي لنكون صادقين في قولنا : يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما ، وكذا قولنا : لبيك يا حسين، حيث أنّ الفارق الزمني بيننا وبينه عاقنا عن الحضور مع شخصه الكريم يوم عاشوراء، وكما ورد في زيارة الناحية : فَلَئِنْ أخَّرَتْني الدُّهُورُ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ المَقْدُورُ، وَلَمْ أكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ العَدَاوَةَ مُناصِباً، فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيكَ، وتَأسُّفاً عَلى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً، حَتَّى أمُوتُ بِلَوعَةِ المُصَابِ، وَغُصَّةِ الاِكْتِئَابِ.
إذن اجتماع الأمة في العشرين من صفر لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام من الأمور الحسنة والراجحة عقلا والثابتة شرعاً والتي جرت سيرة المتشرعة عليها؛ ولذا فهي من الشعائر الدينية المعتبرة التي تحمل دلالات عظيمة وحكمة متعالية وذات أثر دنيوي كبير وأخروي أكبر. 
وهذا يكفي في الجواب على المدعيات الباطلة إتجاه زيارة الأربعين الثابتة، ولا نريد أن نطيل في تفصيل الاستدلال على رجحانها عقلاً وثبوت استحبابها شرعاً. 

أبو الحسن حميد المُقَدَّس الغريفي 
النجف الأشرف 
١/ ربيع الثاني / ١٤٤٤ هجرية 


الهوامش :
١ــ تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي : ج٦ ص١١٣ / باب ٥٢ / تسلسل ٢٠١ / رقم الحديث ١٧.
٢ ــ كتاب المزار للشيخ المفيد ص٥٣ / باب فضل زيارة الأربعين. وكذا في تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج ٦ ص٥٢ /باب ١٦ / تسلسل ١٢٢ / رقم الحديث ٣٧. وغير ذلك من المصادر. 
٣ ــ مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة ص٤٦ / شهر صفر .
٤ــ مصباح المتهجد ص٥٤٨ من أعمال شهر صفر .
٥ ــ كامل الزيارات لابن بابويه القمي ص١٨١ / باب ٢٨ / حديث ٦.
٦ ــ كامل الزيارات ص١٦٧ / باب ٢٦ / بكاء جميع ما خلق الله على الحسين عليه السلام / حديث ٨.




تهمة الخرافة الموجهة إلى الزيارة الأربعينية والرد عليها

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك