31‏/1‏/2025

ابو زينب

جواب حول حديث النورانية

سماحة آية الله السيد أبو الحسن المقدس الغريفي دام ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشر بين الشباب مؤخراً وتداول تداولاً كثيراً حديث في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام يسمى بحديث النورانية، فما مدى صحته عندكم؟
أفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً.

الشيخ منتظر العذاري
البصرة/ العراق

باسمه تعالى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إنّ خبر النورانية المذكور في كتاب بحار الأنوار مفصلا يمكن الكلام عنه من جهات:

الجهة الأولى: فيما يتعلق بسند الخبر وكما هو معلوم فإنّه ضعيف قطعاً؛ ولا يصح الإستدلال أو الاحتجاج به ولا سيما في بناء العقيدة؛ ولذا ذكره العلامة المجلسي رحمه الله في النادر، وقال عنه في بحاره ج٢٦ ص٢٣٧ / باب ١٤- نادر / رقم الخبر ١.
(( ذكر والدي رحمه الله أنّه رأى في كتاب عتيق جمعه بعض محدّثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الخبر، ووجدته أيضاً في كتاب عتيق مشتمل على أخبار كثيرة)).
وهذا الكتاب العتيق لم يذكر اسمه كما لم يذكر اسم مؤلفه فيبقى أمره مجهولاً.
وأما ما قيل ترجيحا من تحديد اسم الكتاب واسم مؤلفه وأنّه من أعلام القرن الخامس فهو مع ذلك لا يرقى إلى الكتب الروائية المعتبرة والأصول الاربعمائة لتأخره وضعف سنده وتضمنه النادر والشاذ من الأخبار.
ومن هنا قال المجلسي في بحاره ج٢٦ ص٢٤٧: ((إنما أفردت لهذه الأخبار باباً لعدم صحّة أسانيدها وغرابة مضامينها، فلا نحكم بصحتها ولا ببطلانها ونرد علمها إليهم عليهم السلام)).
إذن لا يصح الاحتجاج بهذا الخبر لعدم صحة سنده ولمجهولية الكتاب ومؤلفه المذكور فيه، ولندرته وغرابة مضامينه، وهو كافٍ للإعراض عنه. 

الجهة الثانية : متن الخبر. 
وهذا الخبر يحمل مضامين متعددة، فمنها ما يوافق المشهور لدى المسلمين شيعة وسنة، كما ذكر الخبر من كون النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام خُلِقا من نور واحد ثمّ شق هذا النور عند عبد المطلب فكان نصفه الأول في عبد الله بن عبد المطلب الذي أولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنصف الثاني في أبي طالب بن عبد المطلب الذي أولد وصيه الإمام علي عليه السلام، وهذا مما لا إشكال فيه. 
ولكن الإشكال في نصوص كثيرة ظاهرها الغلو والارتفاع إلا إنّ ما يمكن تأويله بما لا يتعارض مع القرآن الكريم والسنة المطهرة فلا بأس من ذكره مع تأويله السليم وإلا لا يصح اعتماده ولا يجوز الترويج له بين الناس للنهي الثابت عن ذلك في القرآن والسنة وأحاديث العترة الطاهرة. 
والخبر فيه مقاطع كثيرة عليها اشكاليات وفيها نقاش كبير نذكر منها : (( أنا الذي حملت نوحاً في السفينة بأمر ربّي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربّي، وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربّي، وأنا أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربّي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربّي، وأنا عذاب يوم الظلّة، وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان : الجن والإنس وفهمه قوم. إنّي لأسمع كلّ قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم، وأنا الخضر عالم موسى، وأنا مُعلّم سليمان بن داود، وأنا ذو القرنين، وأنا قدرة الله عزّوجل)) . 
وغير ذلك من المقاطع الغريبة التي يتعارض ظاهرها مع القرآن والسنة وأحاديث العترة، وأما ما يحتمل التأويل من هذه النصوص بما ينسجم مع العقيدة القرآنية والأحاديث الصحيحة المعتمدة فلا بأس من ذكرها مع التأويل وإلا فلا ينبغي ترك الأمور على ظاهرها لتدخل في عالم الغلو والارتفاع. 

الجهة الثالثة : الترويج لأخبار الغلو والغلاة. 
إنّ أسباب ظهور الغلو والغلاة كثيرة منها الحُب المُفرط الذي يتجاوز الحد، والعُلقة اللامتناهية الخارجة عن الضبط والانضباط، والارتباط الوجودي والحسّي بذات الأشخاص بحيث لا يتصور الإنسان وجوده إلا بوجود المحبوب وجوداً حسّياً وإذا ما حضر الموت للمحبوب فلا يستقبل الواقع بما هو ولا يخضع له فتأخذه العاطفة المفرطة ليتمسك بوجوده ويدّعي غيبته وانتظار عودته كما في اسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام رغم ثبوت الموت والدفن عيانا، وهذا ما حدث أيضاً حين موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذا أمير المؤمنين عليه السلام وبعض الأئمة وبعض ذراريهم فيعيشون حالة اللاوعي لينشأ من خلالها غلو في المعتقدات وتظهر معها جماعات غالية مصحوبة بنصوص مختلقة لا أصل لها، وهذا ما حاربه أئمة الهدى صلوات الله عليهم. 
ولم ينحصر الغلو بهذا الانفعال العاطفي الوجداني اللامنضبط بل يحصل أيضاً كردود فعل إتجاه ما يقوم به النواصب من بغضٍ وعداء وحرب أو تأثرهم النفسي والعقلي والعلمي بما يحمله الإمام عليه السلام من علوم ومعارف وقوة وصفات متكاملة وكرامات ومعاجز لا توجد عند سائر الناس بما لا يقبل معها إلا القول بتجسد الإله في هذه الشخصية بنحو التجلي فيها أو الحلول أو القول بوحدة الوجود والموجود فيكون لا فرق بين الإله وهذا الشخص الموجود خارجاً.
ومن هنا نجد أنّ الأخبار والمقولات المتضمنة للغلو والارتفاع تنسب للأئمة عليهم السلام كما في خبر النورانية المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله : في البحار ج٢٦ ص٢٣٧ : 
((اعلم يا أبا ذر أنا عبد الله عز وجل وخليفته على عباده، لا تجعلونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته، فإنّ الله قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم، فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون)). 
وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في الاحتجاج للطبرسي ج٢ ص٢٣: (( لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني بريء من الغالين)). 
وفي خبر ضعيف عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لاسماعيل بن عبد العزيز :((لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم، اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا، فقال إسماعيل :وكنت أقول إنه وأقول وأقول))/ بصائر الدرجات للصفار ج٥ ص ٢٧٣/ حديث ٥ وحديث ٢٢/باب ١٠ الأئمة يعرفون الاضمار. 
وفي مشارق أنوار اليقين ص ١٣٤ لرجب البرسي يعتمد ما ورد في دعاء رجب والمذكور في كتب الأدعية منها ما في إقبال الأعمال لابن طاووس ص١٤٥:((يعرفك بها مَن عرفَك لا فرقَ بينك وبينها إلا أنّهم عبادك وخلقك))، والضمير في بينها يرجع إلى الآيات الذين هم ولاة أمره المأمونون على سرّه الأئمة الهداة. 
علماً أن هذا الكتاب كما يقول المجلسي في بحاره ج١ ص٢٢ /مقدمة المؤلف: ((لا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتماله على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع)). 
فهذه النصوص وأمثالها بطرقها المختلفة الضعيفة وبصرف النظر عن ذلك لم يتم مراعاة قراءتها بما ينسجم مع العقيدة القرآنية والصحاح من أحاديث العترة الطاهرة، فصارت توظف وتستغل للقول في الأئمة عليهم السلام بما يدخل في الغلو وهم براء من ذلك، فأخذوا منها مساحة واسعة جدا وغير منضبطة الحدود للقول فيهم بالغلو والارتفاع، بل التصريح فيها أنهم مما قالوا فيهم عليهم السلام فلا يبلغون كنه ما فيهم ولا نهايته بما يفسح المجال للقول بشأنهم رجماً بالغيب ومن دون علم حتى يصلوا إلى مراتب الغلو. 
ولذا ينبغي تجنب الخطب والنصوص المتضمنة لما هو غريب وغالٍ، كما في نصوص من خطبة البيان والخطبة التطنجية، والتي منها :((أنا صاحب الخلق الأول قبل نوح الأول، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها، وأمم أهلكتها: فحق عليهم القول، فبئس ما كانوا يفعلون. أنا صاحب الطوفان الأول، أنا صاحب الطوفان الثاني، أنا صاحب سيل العرم، أنا صاحب الأسرار المكنونات، أنا صاحب عاد والجنات، أنا صاحب ثمود والآيات، أنا مدمرها، أنا مزلزلها، أنا مرجعها، أنا مهلكها، أنا مدبرها، أنا بأبيها، أنا داحيها، أنا مميتها، أنا محييها، أنا الأول، أنا الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطن، أنا مع الكور قبل الكور، أنا مع الدور قبل الدور، أنا مع القلم قبل القلم، أنا مع اللوح قبل اللوح، أنا صاحب الأزلية الأولية، أنا صاحب جابلقا وجابرسا، أنا صاحب الرفوف وبهرم، أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم)). 
 وعليه فإنّ الأئمة صلوات الله عليهم لا يحتاج في معرفتهم إلى القول فيهم بغير ما قاله الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث وجبت مودتهم وطاعتهم والتسليم لأمرهم والأخذ عنهم لأنهم رجال الله تعالى الذين يتصفون بالطهارة والعصمة وكمال المعرفة والعلم والأخلاق بما لا يرقى إليهم سائر الناس، فهم عبيد مخلصون.

أبو الحسن حميد المُقَدَّس الغريفي
النجف الأشرف
١/ شعبان / ١٤٤٦ هجرية


جواب حول حديث النورانية

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك