بيان الضرائب الحكومية المجحفة
سماحة آية الله الفقيه السيد المقدس الغريفي (دام ظله) - النجف الاشرف
التاريخ/10 / 7 / 2010 م - الموافق / 28 / رجب / 1431 هـ
قال تعالى : [والَّذين يَكنِزونََ الذَّهَبَ والفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقونَهَا فِي سبيلِ الله فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أليمٍ] التوبة / 34 .
قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : [إنَّ من بقاءِ المسلمين وبقاءِ الإسلام أن تصير الأموال عند مَن يعرف فيها الحق ، ويصنع المعروف ، وإنَّ مِن فناء الإسلام وفناءِ المسلمين أن تصير الأموال في أيدي من لا يعرف فيها الحق ، ولا يصنع فيها المعروف] . وسائل الشيعة / باب 1 من أبواب فعل المعروف / حديث 1 / مجلد 11 ص521 .
ومن هنا ينبغي أن نفهم أنَّ الأموال ليس الغرض منها أن تُكنز وتُحفظ في الخزائن والبنوك وتكون مورداً للتفاخر بين الدول والحكومات والمكتنزين لها بل وجدت للتداول بين الناس وسد حاجاتهم من خلال وسائل وآليات كثيرة مشروعة وعادلة تُمَكِّن الناس من تداولها بسهولة وانصاف وبالتالي تؤدي إلى نمو وازدهار البلد واقتصاده ورفاهية العيش الكريم للمواطنين وهذه أسباب تساعد كثيراً على نشر الخير والمحبة والسلام ولا يكون ذلك إلا إذا حُفظت الأموال في أيدي أمينة ونزيهة وعادلة وعالمة بحيث لا تبخس الناس حقوقهم ولا تحبسها عنهم ولا تستكثر عليهم ما أنعم الله تعالى به عليهم إضافة إلى ضرورة وضع الحواجز الرصينة لمنع السُرّاق والسفهاء والطامعين من أن تطالها أيديهم الخائنة التي تقتات على أموال الشعوب بالباطل فيأكلون السُحت حيث يقبضون الرواتب الفاحشة من دون تقديم ما يوازي هذا الراتب من العمل بل لا يكفيهم ذلك حتى يُمارسوا في عملهم الفساد المالي والإداري والأمني والسياسي والإجتماعي لتحقيق مكاسب ومصالح ضيِّقة على صعيد الفرد أو الحزب أو الحكومة فينتشر الفساد والخراب والإرهاب وتعطل الحقوق بل تُسلب وتُقسَّم موارد الشعب ومنافعه محاصصة بين السياسيين والأحزاب وأبناء الحكومة المتسلطين والمتنفذين لتكون حكراً عليهم فقط ، ودفعاً لهذه الزُمر الفاسدة والفاشلة ينبغي عدم تمكينهم من التسلط على مقدرات الشعب وأمواله كما لابد من السعي الجاد لتقليل الرواتب الفاحشة للرئاسات الثلاث ونوابهم وأعضاء المجلس النيابي والوزراء ومن في مستواهم إضافة إلى ضرورة جعل وزارة المالية التي تحتفظ بأموال الشعب لها سيادة محترمة واستقلالية واعية ومنضبطة وكفاءة مُختصة ونزاهة عالية وعدالة تكتنفها الشجاعة والرحمة حتى تستطيع أن تضع موازنة عادلة بعيدة عن التسييس وطمع السياسيين والأحزاب ومحاصصاتهم فتلحظ فيها دخل الفرد والأسرة في حال ارتفاع المنتجات والمبيعات واليد العاملة وضرورة أن تترك الدولة بصمات واضحة لدعم أوضاع الشعب المعيشية وتوفير الخدمات والإعمار وايجاد فرص عمل للعاطلين حتى تؤدي وظيفتها الشرعية والأخلاقية والوطنية وإن كانت كلمة الشرعية تجمع كل المضامين الأخرى ولكن الفرز هنا يقتضي ملاحظة اختلاف توجهات الناس وايمانهم ، ومع هذا كلِّه يجب أن لا تغفل الدولة عن تقوية لجان النزاهة بدل من تفكيكها أو إضعافها ومحاصرتها لكي تتابع سير العمل دائماً في كل مفاصل الدولة من أجل تحقيق العدالة في التوزيع وإيصال الحق إلى أهله ومنع الفساد عموماً وبالتالي تؤمِّن الحياة الكريمة للفرد والأسرة والمجتمع إذا كانت الحكومة صادقة في تمثيل إرادة الشعب والنُظم العادلة وإلا فالتسامح والتراخي في أداء الخدمة وكثرة الفساد والخيانة واستعمال سياسة الكذب من خلال التسويف والمماطلة وتعطيل ما من شأنه أن يخدم الشعب ويؤمِّن حقوقه من القوانين وآليات العمل وعدالة توزيع الثروات فإنَّه يكشف عن عدم مصداقيتهم في تمثيل هؤلاء للشعب وأنَّ أيديهم خائنة وأفكارهم ملوثة فلا يستحقون البقاء في وظائفهم ولو للحظة واحدة .
ومن العجيب الغريب الذي يُدمي القلوب أنَّ الحكومة العراقية أصبحت اليوم تفتخر وتتباهى بتزايد ميزانيتها المالية وتفجرها وهي توعد الشعب بلسان حكومتها خيرا ، وقد ازداد ت الخزينة المالية أكثر فأكثر ببركة زيادة سعر برميل النفط فتفجرت الميزانية بشكل واسع ببركة الفرق الحاصل بين السعر الجديد والقديم ، وهكذا صارت الحكومة بين آونةٍ وأخرى تُعلن وحدها عن فَرحَة كُبرى بهذه الخزينة ، ولكن للأسف لم يشترك الشعب معها في هذه الفرحة العراقية لعدم شموله في محاصصة الفرحَة ولإنحصارها في الأحزاب السياســــــية وأرباب المفاسد المالية وذوي المشاريع والمقاولات التي تعود بأرباحٍ باهضة على أربابها (المُميزين) تتخللها مشاريع وهمية أو مما تُعد هدراً في المال العام لإنعاش الأحزاب والسياسيين الموالين لهم ، بينما يبقى الشعبُ متفرجاً ويتنظر الوعود الغيبية من الحكومة بتحسين الوضع الخدمي من الكهرباء والماء والبيئة والصحة وأمور المعيشة ومعالجة مشكلات البطالة والفساد الإداري والمالي والوضع الأمني والإعمار ... إلخ وبدل من أن ينعكس تزايد خزينة الدولة المالي ايجاباً على الشعب كما هي القاعدة الإقتصادية إلاَّ أنَّ الأمر أصبح على العكس حيث ازداد الشعب سوءاً وفقراً وتنوعت أسباب الضرر والمرض والهجرة والتهجير ، نتيجة الفساد والوعود الوهمية وغلاء أسعار المواد الإستهلاكية وفرض الضرائب المُجحفة والرسوم الظالمة للماء والكهرباء والهاتف والمجاري والغاز والنفط والبنزين والكاز ومراجعة دوائر الدولة كالمستشفيات ودوائر الجنسية والجوازات والمحاكم والعقارات والضرائب والبلديات وغير ذلك من مؤسسات الدولة التي أصبحت جميعها دوائر ضريبية تُثقل كاهل المواطن العراقي إلى درجة الإستضعاف والإنكسار بشكل لا يوصف حتى أنَّهم صاروا يقتطعوا أموالاً شهرية بنسبة الراتب بمقدار أربعة آلاف دينار فما فوق من رواتب المتقاعدين البؤساء وغيرهم من الموظفين تحت ذريعة البطاقة الذكية وغيرها وأصبحت الحكومة تقتطع هذه الأموال التي كان يأخذها الموظف بالفساد بيده اليُمنى فصارت الحكومة تأخذها بدلاً منه بيدها اليُسرى وبإسم القانون فزاد الأمر تعقيداً ، وبجملة ما ذكرنا من أمور التي هي ليست على نحو التفصيل نقول :من أين لذوي الدخل المحدود من العمّال الكادحين والمزارعين والمتقاعدين وأرباب المهن الحُرَّة الضعيفة والعاطلين عن العمل والمُعاقين والمرضى والأرامل والأيتام والمهجَّرين والمتضررين والطلبة المُعوزين...إلخ تسديد هذه الضرائب والرسوم المطلوبة جميعها من الشعب وبأرقام تزيد على مدخولاتهم أضعاف مضاعفة ؟!!! ، ومن أين لهذا الشعب اليتيم الجريح خلق موازنة لمعيشته إذا كانت الحكومة تطالبه بضرائب ورسوم تفوق مدخوله الشهري بأضعاف مضاعفة ؟!!! ، بينما الشعب اليتيم يحلم بأن يفرح بخزينة الدولة كما تفرح بها الحكومة من خلال تحصيل مُنَح مالية مع زيادة وتحسين البطاقة التموينية وتنويعها وبناء مشاريع خدمية بيئية وصحية وعمرانية للشعب وإصلاح منظومة الكهرباء !!! والماء !!! والمجاري !!! والهاتف الذي لا يتصل !!! وتنقية مياه الشرب وتعقيمها !!! التي تأتي الحكومة لتتقاضى من الشعب ظلماً وعدواناً رسوماً مُجحفة يصعب وصف معاناة المراجعين للإستفسار عن ضخامة هذه الرسوم التي تزيد البلاء على الشعب بشكل يُرثى له ، وبالتالي يأتي الجواب من مسؤول الدائرة سواء كانت كهرباء أو ماء أو هاتف أو غيرها - وهي دوائر أصبحت ضريبية وقد انسخلت عن كونها خدمية - !!! فيتذرع الجميع بأنَّ الحكومة الموقرة تُطالب هذه الدوائر بمبالغ محددة وضخمة جداً ومن الطبيعي أن هذه المبالغ تُستوفى من الشعب الفقير رغم معاناته ومآسيه الأمنية ، فماذا فعلت خزينة الدولة للشعب ؟ وما هي الغاية منها ؟ ، فهل فائدتها أن توضع في البنوك ومن ثمَّ تقع في أيدي سُرّاق البنوك ؟!!! ، ولمَّا كانت الدولة غنية جداً على لسان حكومتنا الموقرة في القنوات الفضائية ، فلماذا تفرض الضرائب والرسوم المُجحفة والظالمة على الشعب ؟!!! ، في حين أنَّ حقوق الشعب على الدولة والحكومة هي توفير الخدمات ومتابعتها وتسهيل وصولها إلى الشعب وتخفيف مؤونة العيش عنه ، وليس أن نبني اقتصاد دولة كي ينتعش منه أبناء الدولة من الحكومة والنواب برواتبهم الجهنمية ومخصصاتهم العجيبة والغريبة والتي تكون على حساب لقمة عيش المواطن وكرامته وأمنه واستقراره فتفرض عليه ضرائب ورسوم تعسفية لا يتمكن الشعب من تسديدها إلاَّ بالإقتراض المُذل أو أنَّه يُعاقب بإسم القانون المطاط الذي ينبغي أن يُطلق عليه مصطلح اللاقانون !!! ، ويظهر بعض الوزراء على القنوات الفضائية وفي الصحف المحلية ليدَّعي أنَّ الحكومة لا تملك عصا سحرية لإصلاح الكهرباء والوضع العام في العراق ويتذرع الآخر بالإرهاب وكأنَّ منظومات الكهرباء ومصانع تحلية المياه وغيرها وإنَّ الشركات الأجنبية العاملة في البلد لا يوجد لها أماكن آمنة ومحصَّنَة وإنَّ تصنيع محطات ومنظومات الكهرباء والماء وحفظها وترتيب أمورها شيء في غاية العُسر والحرج حتى أنَّهم غفلوا أو تغافلوا عن وجود أماكن واسعة فيها الأمن والأمان كما في وسط العراق وجنوبه إضافة إلى أنَّهم نسوا أو تناسوا إمكانية تجنيد أو تعيين عناصر من قوى الأمن الداخلي لحماية ما ذكرنا والتي أصبحت هذه القوى المتكثرة تتجاذبها أيدي المسؤولين ومراكزهم الحزبية والسياسية من دون مراعاتهم لحماية المراكز الخدمية ولو الضرورية منها حتى أصبحت هذه القوى المُجندة تحت عناوين مختلفة تُشكِّل خلايا ميلشيات صغيرة في كل مكان بل حتى في عناصر حماية المساجد والحسينيات ، وبمجمل ما ذكرنا فإنَّهم يحكموا العراق الآن لثمان سنين ومن دون حصار وكأنَّها ثمانية أيام عندهم حتى يتذرعوا بهذه الذرائع الواهية التي لا يقبلها حتى المجنون بل يظهر مَن يُفسِّر هذا العجز والفساد بالتفسير المُعجزة الذي يرمي جميع ذلك على عاتق الطاغية المقبور صدّام اللعين ليُبرِّأ ساحة الحكومة مما عليه الشعب اليوم ولكنه بهذا يستخف بعقول الآخرين ويغفل أيضاً أو يتغافل بأنَّ الشعب يعرف جيداً أنَّ الحال لا يخلوا في جذوره من تأثير فساد النظام البعثي البغيض ، ولكن الشعب يسأل أرباب هذه الدعوى : إذا كان الفساد عموماً يتحمله النظام المقبور لوحده فما هو دور وفاعلية قانون اجتثاث البعث أوالمساءلة والعدالة لاجتثاث الفساد والمفسدين البعثيين في طول العمل الحكومي لثمان سنين أم أنَّه قضية سياسية صورية لها ظروفها المصلحية الخاصة ؟ ، ثمَّ يسأل أيضاً ما هو دور الحكومة المنتخبة في إصلاح ما أفسده المفسدون القدامى والمفسدون الجُدد في ثمان سنين ؟!!! ، بل لماذا يستشري الفساد المالي والإداري والأمني والسياسي والقضائي ... في أعلى الوظائف الحكومية ؟!!! ، ولماذا التراجع إلى الوراء بأسوء حالاتها ؟!!! ، وإذا اتهمنا هؤلاء المفسدين جميعاً بانتمائهم إلى البعث فإنَّ الواقع يكشف عن وجود بعثيين قدامى وبعثيين جُدُد يُمارسون العمل والفساد بأنواعه تحت عناوين ومُسمَّيات مختلفة بالرغم من كونها تتبرأ من البعث والبعثيين ظاهراً في الإعلام إلا أنَّهم قد ورثوا نفس المنهجية والمسيرة البعثية ، ويبقى أن نسأل أيضاً : هل الفساد بهذا الحجم هو فساد مُسَيَّس تحت رعاية الإحتلال أم أنَّه مستقل عنه تتبناه الأحزاب السياسية مستقلة بذلك عن الإحتلال لأجل أهداف سياسية واقتصادية وحزبية و... ؟!!! ، وجميع ذلك يُشكِّل خطورة جسيمة وابتلاءاً عظيما تنكشف من خلاله الميول والتوجهات والإنتماءات والعناوين الحقيقية لهؤلاء ، وإذا كانت الأمور الخدمية للشعب والمُسميَّات الدينية والشعائر تقع في حدود التسيِّيس للأحزاب السياسية يتلاقفوها ويتجاذبوها بينهم رعاية لمصالحهم فإنَّه فساد ما بعده فساد ، وأمّا إذا كانت الحكومة عاجزة فعلاً عن أداء وظيفتها اللازمة ووعودها فلماذا يكون التشبث الشديد بالسلطة والصراع من أجلها وبالتالي يؤدي إلى الإضرار بالشعب وسقوط الحكومة ؟ !!! .
ولكنَّ الألم يعتصر الجماهير حينما يجدوا الذرائع المختلقة حاضرة وكثيرة ومتنوعة ولها مَن يُدافع عنها من المستفيدين والمرتزقة والمُضلَّلين ومَن هو خارج العراق مِمَن لا يشعر ولا يتحسَّس بما يُعاني منه أبناء الداخل فيتحدث وكأنَّ الفرد والأسرة والمجتمع والشعب العراقي يتجنَّى على الحكومة بما يعرضه من حقائق ووقائع ، وقد اعتمد كثير من هؤلاء في بيان الذرائع الوهمية على سياسة (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس) ، ومن جملة ذلك الوعود الكثيرة والمتكررة والتي لم تخرج إلى النور في طول ثمان سنين ولذا خرج الشعب اليوم في عموم العراق متظاهرين عليهم بمظاهرات سلمية وفق الحق الذي ضمنه لهم الدستور للمطالبة بحقوقهم المشروعة ردّاً على انقطاع الكهرباء التعسفي وزيادة الرسوم المُجحفة وسوء الخدمات العامة ولكنه للأسف الشديد يأتي الجواب بقمع المتظاهرين كما في البصرة والناصرية وكربلاء وغيرها من المحافظات التي خرجت في صيف عام 2010م ، وحينئذٍ تجعل الحكومة نفسها خصماً للشعب بالرغم من كونه قد انتخبها وكان سبباً في وصولها لهذه المناصب العالية متأملاً فيها الوفاء بوعودها بتحسين الخدمات وتوفير حاجيات الشعب وتخفيف مؤونة معيشته وتعويضه عن سنين الحرمان فإذا الحال مؤسف جداً ويُرثى له وو...إلخ ، وبعد عرض هذا الجزء من الواقع العراقي الجديد المأساوي يجب على الحكومة أيّاً كانت أن تُنصف الشعب وتتدارك هذه الأزمات الشعبية وتضع موازنة حقيقية شاملة وعادلة تنهض بالشعب لحفظ ماء وجهه فتقوم بدراسة الوضع الإقتصادي في العراق وتلحظ فيه المستوى المعيشي المتدَنّي لأبناء الشعب والذي وصلت فيه نسبة عالية منه دون مستوى الفقر لأسباب كثيرة ذكرنا جملة منها مع الوضع الأمني من الإرهاب وغيره وحدوث التوترات والصراعات السياسية بين الأحزاب وتعطيلها لتشكيل الحكومة لمدة تزيد اليوم على ثمانية أشهر بعد الإنتخابات وغلاء الأسعار وكثرة الطلبة المحتاجين والبطالة والعاجزين عن العمل والأرامل والأيتام والمُهجَّرين والمتضرّرين مع تأخيرهم لتسديد رواتب عدد كثيرمن الموظفين ووجود الفساد المالي والإداري والمحاصصة إضافة إلى حصرهم المشاريع والمقاولات بيد المسؤولين واتباعهم فوق ما يحصلون عليه من رواتب ضخمة لم يحلموا بها طيلة حياتهم ، وكلّ هذا يؤثر على الوضع العام للبلاد والعباد لارتباط بعضه ببعض سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً ، نعم قد يخرج أيضاً بعض المسؤولين ليتحدث ويُجيب عن ذلك الوضع الإقتصادي ويُبّرِّر وجود هذه الأمور بذرائع متعددة مُضافاً لما ذكرنا وهي : ما يُلقَىَ على ديون الدولة الخارجية ومنها ما يفرضه صندوق النقد الدولي بسبب القرض منه فيشترط عليهم تسعيراً للمواد التي تنتجها الدولة كالنفط ومشتقاته وتحديد رسوم بعض جبايات الدولة ، وهكذا حال العراق يقع تحت تأثير ووصاية كثير من الدول والمنظمات العالمية تحت ذرائع وهمية توحي بأنها في خدمة الشعب ولكنها في الواقع استعمارية كما هو حال الإتفاقية الأمنية التي عُقدت مع قوَّات الإحتلال من أجل اخراجه واخراج البلد من الفصل السابع بحسب المُدَّعى ظاهراً مع أنَّ المحتل قد خرق كثيراً من بنود الإتفاقية إضافة إلى أنَّ الإتفاقية لم تُغيِّر من واقع العراق بعد مرور أكثر من عام عليها حيث بقاء العراق تحت وصاية الأمم المتحدة - الفصل السابع - واستمرار خروقات المحتل وتدخلاته السافرة بالشأن العراقي بكل تفاصيله وبذلك فلا سيادة للعراق ولا استقلال له كما يحكيه الواقع وليس كما يتقوله بعض السياسيين ، وبشهادة تدخل صندوق النقد الدولي - وهو الإستعمار الجديد - بتحديد أسعار ورسوم المواد والخدمات الوطنية لتُقوِّض الحياة المعيشية الكريمة للمواطن العراقي ، فينعدم حينئذ دور الحكومة المنتخبة إزاء ما يُعانيه الشعب من أزمات اقتصادية ومعيشية لتطالبه بهذه الضرائب والرسوم الظالمة مع وجود الميزانية الإنفجارية وخيرات النفط والموارد الطبيعية والسياحية والرسوم الربوية على القروض وغيرها ؟!!! ، وكأنَّ الحكومة وأحزابها لا يفهمون السيادة والإستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة إلا من خلال النص الغربي ووفق ما يرغب به المُحتل لتحقيق طموحاته وكسب رضاه ولذا يحصل قمع الشعب وإذلاله وتقويض أحكام القضاء والإفراج عن الإرهابيين وحمايتهم وتسليم بعضهم إلى دولهم تزلفاً وتملقاً لم ينالوا منه شيئاً إلا الضعف والسُخرية وتضييع حقوق الشعب ودماءه وأمواله وهذا مما يُساعد على قهر الشعب وإذلاله وتركيعه لإرادة المستعمرين الجُدد ، وبينما الشعب يُعاني الويلات ويُصارع الجهل والمرض والفقر والإستعمار و... فإذا الحكومة والنواب يشتغلون الليل والنهار لتقسيم الأموال بينهم ويتصارعون على زيادة رواتبهم والمنح والمخصصات ومناقشة تقنين التقاعد لهم بل مما يزيد هَم المجلس النيابي وجود البطاقة التموينية للشعب بالرغم من ردائتها وسرقة معظم موادها ولذا يسعون دائماً وبوسائل التسويف والمماطلة وإتعاب الشعب لكي لا يسأل عنها ومن ثَمَّ ينتهزون الفرصة المناسبة لإزالتها من أجل زيادة ميزانية الدولة لأنَّ المحاصصة لا تكفي الأحزاب الحكومية ، ومع كلِّ هذا نجد الحكومة بأحزابها ونوابها تفرح وتفتخر وتتباهى بزيادة مالية الدولة لعودة ذلك بالنفع الكبير عليهم ويكفي من الشعب أن يبقى متفرجاً ومستمعاً لجلسات المجلس النيابي حول تقنين وتثبيت هذه المنافع والتي تعود على الشعب بالمَدَافِع وهذا حال تطبيقات الحكومة ورعاياها من الأحزاب المتنفذين والمتسلطين والمتحاصصين الذين يُقسِّموا الأموال بينهم بطريقة أو بأخرى والتي منها تقسيمها على المحافظات ومن خلال آليات ووسائل تستقر فيها الأموال أخيراً عند هم بواسطة السيطرة على المشاريع المتنوعة والتي تباع بصور شتّى بحيث لا يخرج عنهم مشروع ، حتى اشتغلوا أيضاً بالمتاجرة في المناسك العبادية كالحج والعمرة والسياحة الدينية وباعوها بينهم بالمحاصصة وزيادة أسعارها من دون أن يشبعوا ، مضافاً لما تتعرض له أموال المشاريع في الطريق لفساد اضافي لتعدد الوسائط و .. ، وحينما يحتاجون لتسديد ديون الدولة تتباكى الحكومة - المركزية والمحلية- أمام الشعب كمقدمة لفرض الضرائب والرسوم التعسفية عليه بالقوَّة وسلطة القانون ليزيدوا من فقر الشعب وجهله ومرضه ومآسيه وغضبه وهذا ما تلحظه في الشارع ومراجعات المواطنين لدوائر الدولة وشكاواهم وتذمرهم ، فمن سيلتفت إلى هذا الشعب المظلوم الجريح الذي انتخب حكومة ينبغي أن تُسمَّى واقعاً بحكومة الضرائب ؟ !!!.
وهذه الضرائب والرسوم المجحفة متعددة ومتنوعة وهي لا تتناسب مع دخل الفرد العراقي كما أسلفنا مما يؤثر على الوضع العام لدخل الفرد والأسرة مع حصول ارتفاع اسعار المنتجات والمبيعات واليد العاملة فيحصل عدم توازن بين فرض الضرائب ودخل الفرد العراقي مما يزيد من حدة الفقر والمجاعة وكثرة الفساد والإنحراف وتردي المستويات العلمية ، وهذه الضرائب والرسوم وبالأخص رسوم - اللاماء واللاكهرباء واللاهواتف واللامجاري واللا ... - تُفرَض على الشعب مع وجود افتقار الى الحصة التموينية العادلة والنوعية وهذا يحصل مع إنفجارية ميزانية الدولة التي تضيع اغلب اموالها كما ذكرنا بالفساد والمشاريع الوهمية وصارت الحكومة تعتمد على الضرائب من اموال الشعب لأغراض كثيرة تستفيد منها في خصوصيات ضيِّقة ، وحيثما يذهب الانسان العراقي يجد أمامه وسائل متعددة لابتزازه وسرقته ، فلا يكاد يتخلص الشعب من وزير التجارة حتى يبتلي الشعب بمثله في نفس الوزارة وكذا في وزارة الكهرباء وهكذا أغلب الوزارات كالتربية المفتقرة إلى أبنية المدارس ومناهج التربية وكذا الصحة والداخلية والدفاع ومديريات البلدية والمرور وغيرها فإذا ذهب السيء يأتي الأسوء والعياذ بالله تعالى منهم جميعا ، وبعد هذا فلا غرابة إذا أعلنت الحكومة في قنواتها الفضائية وصحفها عن وصول زيادة اضافية في مدخول ميزانية الدولة بمليارات الدنانير العراقية وهي مفتخرة بذلك وقد جُبيت هذه الأموال عن طريق مديريات المرور في العراق وقد اقتطعوها من قوت الشعب من خلال الرسوم والعقوبات والغرامات على سائقي السيارات الكادحين التي لا تقل الغرامة الواحدة منها عن ثلاثين ألف دينار عراقي !!! وهكذا حال كثير من الوزارات والمديريات فأين تذهب هذه الأموال مع أموال النفط والموارد الطبيعية والسياحية والأموال الربوية وغيرها ؟!!! ، وكأنَّ السياسة في مفهومهم بُنيت على ذلك في الشدة والرخاء وفي الفقر والغنى وفي السلم والحرب وبوجود الإحتلال وبالتحرر منه على حدٍّ سواء من دون مراعاة لصعوبة المرحلة وأزمات التحول والأوضاع القلقة وفقر الناس وكثرة البطالة وصراع الأحزاب على السلطة والمكاسب الدنيوية عموماً كما هو تقليدهم لسياسة الدولة الأموية إزاء شعبها حيث كانت تتعامل معه بقانون : (إحلبوهم الدُرْ فإنْ لم تجدوا إحلبوهم الدم) ، فمتى يشبع الحُكّام من أموال الشعب حتى يلتفتوا بعين الرحمة إلى حقوق الشعب ؟!!! ، فمنذ سقوط النظام البعثي المقبور عام 2003 م وإلى يومنا في 2010م لم نجد حكومة وفية لشعبها وهي ما بين قاصر أو مُقصِّر سواء كانت حكومة مركزية أو حكومة محلية - مجالس المحافظات - ، ولذا نطالب الحكومة الجديدة المركزية والمحلية أيّاً كانت بتخفيف الرسوم والضرائب وإعادة مواد البطاقة التموينية بشكل يصدق الإسم عليها وتحسين نوعيتها وتوظيف الأيادي الوطنية الأمينة والنزيهة والكفوءة للقيام بشؤون الرعاية الإجتماعية وتحسين الخدمات ومنح نسبة مالية للشعب مصحوبة مع البطاقة التموينية من الأموال العامة والإرتقاء بالبلد إلى مصاف الدول المنتجة الصناعية والزراعية والإهتمام بالجانب العلمي والتربوي والبيئي والسياحي للشعب ولا يجوز شرعاً ولا عرفاً ولا يرضى شرفاء العالم أن تُصرف مليارات الدولارات لتذهب بالفساد دعماً وكسباً ومجاملة ومقاسمة ومساومة بين شخصيات وجهات حزبية وولاءات ضيِّقة بذرئع متعددة منها المُخصصات والمُنح وزيادة الحُصَّة والمصالحة وإسكات فلان وفلان و... و تبليط الشوارع المبلطة والأرصفة الجيدة وحفرها وتعطيل أماكن مشاة الناس وسير المركبات من أجل منافعهم الخاصة فيكون الحال من سيء إلى أسوء وكذا صبغ أعمدة الكهرباء وتزيينها بدلاً من تشغيلها وعمل حدائق ومتنزهات لشعب يعيش الظلمة ويشتري ماء الشرب ويشتري الدواء بأسعار باهضة وفحوصات طبية لا يقوى كثير من الشعب على جمع ثمنها وأجور مكلفة لعموم العلاج الطبي في العراق وبيئة ملوثة و ..، وهذا وغيره مع انشغال السياسيين وعموم الأحزاب بالصراع على السلطة والمكاسب المادية حتى صار الشعب يُعاني من التخلف والجهل والمرض وسوء الخدمات بل انعدامها في كثير من مناطق العراق والبطالة وفقدان الأمن وتدني أحوالهم دون خط الفقر والفساد وهجرة الشباب والكوادر العلمية وتشرد الصغار و ..، ومن المعيب على هذه الأحزاب الحكومية المتنفذة والمتمولة بميزانية دولة أو أكثر أن تتستر خلف ظاهرة التسول والكِدية أيام الإنتخابات فقط لتذرف دموع التماسيح على مآسي الشعب ومظلوميته من خلال عرض المرضى والجرحى والمعاقين من ذوي الإحتياجات الخاصة لتستجدي بهم أمام العالم وتفضحهم في قنواتهم الفضائية التي تستعملها للدعاية الإنتخابية والكسب الحزبي وتحسين الصورة وترويج بضائعهم بينما هذه الأحزاب قادرة بنفسها أو من خلال الدولة ومن دون هذا العرض المؤلم أن تقوم بدفع مصاريف عملياتهم وعلاجهم داخل العراق أو خارجه ، والحديث في آلام ومآسي العراقيين لا ينتهي ولذا يتطلب من الحكومة أن تكون صادقة وجادة وعادلة مع الشعب وبدل أن تصرف مليارات الدولارات على المتنزهات والحدائق الوسطية وتسييجها بمرّات متكررة وإعادة الأرصفة وصبغ أعمدة الكهرباء وسيقان النخيل والأشجار وأمثالها وكذا في العقود الوهمية والرواتب الإنفجارية التي تكفي وزيادة لتأسيس محطات كهرباء تغذي جميع العراق كما فعلت دولة الكويت وغيرها وفي غضون أيام وكذا عمل مصانع ومحطات تحلية مياه الشرب وتأهيلها للمستوى الصحي المطلوب وكذا تحسين شبكات المجاري وعموم الخدمات العامة ، وليكن في علم الساسة أن الشعب العراقي أصبح لا يُجامل أحداً على حساب حقوقه وقد انفضح المستور ومَلَّت الناس من الوعود الكاذبة لثمان سنين عجاف ومن دون حصار خارجي على العراق فلا تحرقوا صوركم بأيديكم لتسقطوا بلا عودة فاعتبروا يا أولي الألباب.
كما ينبغي أن لا تتوهم الحكومات بأنَّ قيامها بجباية الضرائب المجحفة والمتعددة والمتنوعة سوف يُعالج مشاكلها الحزبية الضيِّقة ومشاكل البلاد والعباد بل الأمر يزداد تعقيداً عليها وتجعل نفسها في مواجهة الشعب وتقع بمأزق كبير من الناحية الشرعية والسياسية و... ، و لا يؤهلها ذلك لكسب ثقة الشعب وانتخابها لدورة ثانية وهكذا وما يحصل من فساد مالي كبير و... فإنَّ الشعب سوف يُحاسبها آجلاً أم عاجلاً وتنال العقوبة المخزية في الدنيا والآخرة ، والعاقبة للمتقين .
0 تعليق
تنبيه