30‏/8‏/2020

إدارة الموقع

الإصلاح دُنيا ودين

 

الإصلاح دُنيا ودين
لسماحة آية الله الفقيه السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي (دام ظله)
لا ينبغي لمن يتحدث عن قيام الإمام الحسين (عليه السلام) أن يتجاوز مقولته المتضمنة للغايات والأهداف الرسالية الصادعة بالحق والصدق والعدل ، حيث قال (عليه السلام) : (( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي أمير المؤمنين ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين )) .
فكان خروج الحسين (عليه السلام) بصفة كونه إماماً معصوماً وسيداً لشباب أهل الجنة حاملاً لمسؤولية الرسالة ومؤتمناً عليها ، ومؤدياً لها ومتم الحجة على الناس ، طالباً للإصلاح ، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ، معلناً عن رفضه لمنظومة الظلم والفساد والإنحراف ، وداعياً إلى تعريتها ومقاومتها واستبدالها ، ولذا رفض بيعة يزيد (لعنه الله) رغم الضغوط والتهديد بالتصفية والملاحقة له كاشفاً عن سبب رفضه بقوله (عليه السلام) : (( إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب للخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله )) .
وهو بهذا النهج يقتدي بسيرة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) كما هي صريح عبارته ، ومبطلاً لحاكمية الطغاة والمنتحلين الصفة من الجهلاء والسفهاء والمنافقين .
ورغم ذلك فإن الطاغية يزيد وأذنابه من الولاة الفجرة والموالين له خوفاً وطمعا لم يقبلوا الإمام (عليه السلام) بقبول الحق ، كما لم يتركوه إلى حال سبيله ، فخيَّروه بين السلة والذلة كما قال (عليه السلام) : (( ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون )) .
ولم يكن له (عليه السلام) إلا أن يختار العناوين الربّانية السامية وهما الشهادة والفتح الأبدي فسعى لذلك مؤمناً محتسباً مطمئناً وهو يقول في رسالته لبني هاشم : (( من لحق بي استشهد ، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح )) .
وفعلاً قد نال الشهادة وتحقق الفتح الذي به ينعم المسلمون ببقاء الإسلام المحمدي الأصيل إلى عصرنا الراهن ببركة مقاومته وتضحيته وفداءه وصرخته المدوية في أعماق النفوس إلى يوم القيامة والتي لا تبرد إلا بظهور القائم (عجل الله فرجه) والأخذ بثأره من الطغاة وأعداء الدين .
ومن هنا ينبغي قراءة المسيرة الحسينية بشكلها التكاملي المترابط من كون الإمام (عليه السلام) صاحب الحق بالخلافة وحاكمية الأمة ، وقد سعى إليها لاستنقاذ هذا الحق من الطغاة المناوئين للإسلام ، رغم علمه باستشهاده ، حيث لا يتنافى إظهار الحق والمطالبة به مع العلم بالشهادة في خاتمة مسيرته لأجل اتمام الحجة على الناس أجمع وخلق الوعي فيهم وإلقاء المسؤولية على عاتقهم لتكملة المسيرة النهضوية المشروعة ضد الطغاة والمنحرفين والمفسدين خلافاً لما يُرَوِّج له أعداء الدّين ويُثقفون الناس عليه من وجوب الرضوخ للحاكم وإن كان ظالماً وإن جلد ظهرك وأخذ مالك ، حتى صار الناس عبيداً للطغاة .
وللأسف الشديد نجد أن غالبية الناس ليسوا أحراراً بل عبيداً للدنيا والطغاة ، وهذا هو التشخيص الواقعي من الإمام (عليه السلام) في أيام زمانه ، فما بال حالنا في آخر الزمان ، حيث صرَّح في كلمة له يكشف فيها عن واقع الناس بقوله : (( الناس عبيد الدنيا والدين لَعِق على ألسنتهم يحوطونه ما دَرَّت معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديّانون )) ، ولذا اصطفَّ الناس في فاجعة كربلاء مع الطاغية لحرب إمام زمانهم ظلماً وعدوانا ، وخوفاً وطمعا ، وما زال الناس على هذه الشاكلة إلا النخبة المؤمنة الصالحة التي لا يخلو منها زمان إلا أنَّهم مستضعفون.
وعموماً فإنَّ إحياء الرسالة والشعيرة الملحمية لابد أن لا نكتفي فيه برفع الرايات والشعارات وإظهار الحزن والجزع ، بل علينا الإقتداء بالنهج الحسيني قولاً وعملاً في عباداتنا ومعاملاتنا لأن الدين المعاملة سواء كان مع الله سبحانه وتعالى أم مع سائر المخلوقات بنحو يظهر الحق ، ويحقق العدل ، ويحفظ النظام عقيدة وشريعة وحاكمية .
ومن هذا المنطلق ينبغي إظهار هذه الشعائر بالمستوى اللائق لها والمستوفي لأبعادها في القول والعمل ، والولاء والبراء ، مع رعاية الضوابط الشرعية والأمنية والصحية لنكون على قدر المسؤولية في إحياء كل ما هو حسيني ، وإماتة كل ما هو يزيدي ، وبما يجعل من إقامة الشعيرة بهذه الصورة المنتظمة عنواناً للإيمان والإخلاص والامتثال والاحترام لكل ما فيه خير وصلاح الأمة.
أبو الحسن حميد المقدس الغريفي
٩ / محرم الحرام/ ١٤٤٢ هجرية
الموافق ٢٩ / ٨ / ٢٠٢٠ م
النجف الأشرف

الإصلاح دُنيا ودين

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك