6‏/7‏/2025

ابو زينب

أُخَيِّرُ نفسي بين الجنة والنار

اَعْظَمَ اللهُ اُجُورَنا بِمُصابِنا بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ وَجَعَلَنا وَاِيّاكُمْ مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ مَعَ وَلِيِّهِ الاِْمامِ الْمَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّد عَلَيْهِمُ السَّلام. 
.............................................. 
# (( أُخَيِّرُ نفسي بين الجنة والنار )) #
.............................................. 
من الخطورة بمكان أن يتردد الإنسان حينما يُخَيَّر في تحديد ولائه وموقفه بين الخير والشر والحق والباطل والجنة والنار.
والحياة كلُّها لا تخلو من أحداث صغيرة أو كبيرة مما ينبغي للإنسان العاقل المؤمن أن يُحَدّد فيها موقفه وولائه ولا حياد في ذلك؛ لأنَّ الحياد من التخاذل عن نصرة الحق وسكوت إتجاه الباطل، فيكون محسوباً على الباطل ويُعَدُ من المنافقين إلا في مورد الفتنة التي لا يعلم فيها الإنسان الحق والباطل مما فيه شبهة والتباس يتوقف عندها العقلاء والمؤمنون حتى يستبين الأمر فيلتزم جانب الحق ضد الباطل.
ومن هنا وقف الحُر بين يزيد الرياحي موقفاً رسالياً لا شبهة فيه حينما خيَّر نفسه بين الجنة والنار لمّا انكشفت له نوايا الدولة الأموية في إصرارها على حرب الإمام الحسين عليه السلام أو استسلامه ونزوله إلى بيعة الفاسق الفاجر يزيد بن معاوية لعنهما الله تعالى، مع علمه أيضاً بأنّ الإمام عليه السلام لا يبايع يزيداً وأمثاله،  لقوله عليه السلام للوليد بن عتبة حاكم المدينة : ((إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحق بالبيعة والخلافة)).
ثم صرّح الإمام الحسين عليه السلام يوم العاشر حينما خطب في القوم فقال: ((ألا وإنّ الدعي بن الدعي ـ يعني ابن زياد ـ قدْ ركز بين اثنتين، بين السلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجور طابت وحجور طهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر) ).
وقال عليه السلام أيضاً : ((والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد إني عذت بربي وربكم أن ترجمون)) . 
ولمّا تكاملت الصورة لدى الحُر بن يزيد الرياحي وجد نفسه إتجاه موقف مصيري، فقال : "إنِّي والله أُخيِّر نفسي بين الجنة والنار، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وحرقت". 
فقرّر الإنضمام إلى الإمام الحسين عليه السلام وترك جيش عبيد الله بن زياد وقاتلهم قتال الأبطال الشجعان حتى استشهد رضوان الله عليه. 
إذن الإنسان العاقل المؤمن يستطيع أن يُحدِّد موقفه الرسالي في كل موقف من حياته من خلال المعطيات الواضحة لديه من دون أن تؤثر عليه النوازع النفسية المريضة والمصالح الشخصية والارتباطات المشبوهة؛ لأنّه يعتمد ميزان الحق والعدل وأحكام الشريعة بخلاف الأحمق والسفيه والمرتزق العميل والعدو الذين يسودهم الجهل والتخلف والحسد والطمع والظلم، حيث تحكمهم الأهواء والمصالح الخاصة والإرتباطات الشيطانية. 
ولذا لابد للعاقل أن يُحدّد ولائه ومنهجه في الحياة وفق ما أمرنا به القرآن الكريم، فالتولّي والتبرّي ضرورة ينبغي مراعاتها حفاظاً على الهوية وإلا يخرج الإنسان عن دائرة الإيمان أو الإسلام، وقد قال تعالى : (( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ)) المائدة/ ٥١. 
فالآية الكريمة ناهية عن موالاة اليهود والنصارى وهي صريحة في دلالتها " فمن يتولّى اليهود والنصارى فإنّه يصبح منهم ويرفع هويتهم من حيث يشعر أو لا يشعر ". 
وهناك آيات كثيرة تعطي نفس الدلالة تأكيدا على عدم جواز موالاتهم بالوقوف  معهم والدعاء لهم بالنصر والتفوق على المستضعفين من المسلمين وغيرهم؛ لأنّ هذا من الإنسلاخ عن الهوية. 
وتأكيدا لما ذكرنا ما رواه جابر الأنصاري حيث قال لعطية سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من أحب قوما حُشِر معهم، ومن أحب عمل القوم أُشرك في عملهم، والذي بعث محمدا بالحق نبيا إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه، خذوا بي نحو أبيات كوفان، فلما صرنا في بعض الطريق فقال لي: يا عطية هل أوصيك؟ وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك، أحب محب آل محمد ما أحبهم، وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم، وإن كان صواما قواما، وارفق بمحب آل محمد فإنه إن تزل [لهم] قدم بكثرة ذنوبهم، ثبتت لهم أخرى بمحبتهم، فان محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى النار ". 
فنصل إلى درجة أنّ مُحِب آل محمد يجب محبتهم، ومُبغض آل محمد يجب بغضهم، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض كما قال تعالى ((وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ)) التوبة/ ٧١. 
وقوله تعالى : ((وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ )) الأنفال /٧٣. 
وقوله تعالى :(( إِنَّهُمۡ لَن يُغۡنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۚ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۖ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُتَّقِينَ)) الجاثية/ ١٩. 
وفي زيارة عاشوراء تؤكد النصوص الكثيرة فيها على المضامين القرآنية، فيُقدم البراءة ممن أسّس أساس الظلم والجور  على أهل البيت عليهم السلام، وكذا البراءة من أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم، ثمّ يظهر التقرب إلى الله تعالى بموالاة أهل البيت عليهم السلام وموالاة وليّهم بقول صريح : " بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَقَرَّبُ إِلى الله ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ وَالبَرائةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَّاصِبِينَ لَكُمْ الحَرْبَ وَبِالبَرائةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ " .
ثم يليه النص الآخر بقول :" إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَوَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌ لِمَنْ عاداكُمْ ". 
ونص آخر من الزيارة :" بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ. يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ ". 

((محصلة القول)) 
........................ 
إنّ الصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، والعدل والظلم، والاستكبار والاستضعاف، والكفر والإيمان، إنما يرجع إلى عدوانية الطاغوت وأتباعه ومؤيديه الذين يحاربون الله تعالى والمؤمنين به حقّا، والإنسان لا يُصبح مُؤمنًا بالله إلا بالكفر بالطاغوت،  لقوله تعالى: (( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) البقرة / ٢٥٦. 
فاتقوا الله يا عباد الله في أعمالكم ومواقفكم وأحكامكم وولاءاتكم فإنّ من وراء ذلك حساب عسير في الدنيا والآخرة.

أبو الحسن حميد المُقَدَّس الغريفي
النجف الأشرف
١٠ / محرم الحرام / ١٤٤٧هـ
٦ / ٦ / ٢٠٢٥ م.

أُخَيِّرُ نفسي بين الجنة والنار

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك