5‏/11‏/2025

ابو زينب

شرف المرأة إلى أين ؟

# شرف المرأة إلى أين ؟ #
.....................................
من القضايا المعاصرة الخطيرة تلك التي تتعلق بشرف المرأة لما له من أثر بالغ على الأمة وخصوصاً مع تيسر أجهزة وسائل التضليل والفساد والإنحراف إلى درجة أصبحت في متناول يد كل إنسان كسلاح فتّاك يعود بالضرر على صاحبه وعلى أسرته ومجتمعه إذا أسيء استخدامها، ويزداد خطورة وفتكاً إذا أصبح بيد الفتيان والفتيات في سن المراهقة مع هيجان الطاقة الشهوانية والتي تبحث عن متنفس لها بأي وسيلة ممكنة، وتُحركها الغريزة بعيداً عن العقل، مع محاولات حثيثة لاستكشاف كل ما هو غامض لديهم وإن كان مصدر المعلومات لهم هم الأعداء، وحينئذٍ يقعوا في فخ الشيطان وأتباعه من حيث يشعروا أو لا يشعروا تلبية لاشباع غرائزهم الحيوانية وتعبئة لفراغاتهم   التي تُملئ بالغث والسمين ، وخلط الحق بالباطل لتتكون لدى هؤلاء المراهقين صورة مشوهة عن الأشياء، وبالتالي تبدأ المعاناة والاضطرابات الفكرية والسلوكية ، وتكون النتائج وخيمة على الجميع.
ومن هنا لابد من إبراز دور الرموز الرسالية لأبنائنا وبناتنا في الحياة الفكرية والعملية مع بيان وتشخيص القدوة والأسوة والحجة البالغة حتى لا يضيعوا في متاهات خطيرة يصعب الرجوع عنها.
وخير مَنْ يُمثل الرمز الرسالي للمرأة هي فاطمة الزهراء عليها السلام ، ونحن اليوم نحيي ذكرى استشهادها في الثالث عشر من جمادي الأول لنغتنم هذه المناسبة للحديث عنها وعن شرف المرأة ودورها الرسالي في الحياة الخاصة والعامة.
وبهذه المناسبة الأليمة والفاجعة العظيمة نرفع أحر التعازي إلى مقام مولانا وإمامنا وقائدنا الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره ، وإلى فقهاء آل محمد وإلى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، وأحسن الله لنا العزاء بهذا المصاب الجلل.
ولا يخفى عليكم أيها الأحبة إنّ الزهراء فاطمة هي المرأة الكاملة المعصومة والطاهرة المطهرة والقدوة والأسوة والحجة ، ريحانة رسول الله وبضعته حتى قال فيها (ص) في حديث متواتر متفق عليه: "فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني ،ومن آذاني فقد آذى الله ".
وقال عنها (ص) أيضا : " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ".
وكان رسول الله (ص) : إذا دخلت عليه فاطمة قام إليها وقبّل يدها وأجلسها في مكانه ، وكان يقول: " فاطمةُ أُمّ أبيها ".
وقال (ص) فيها : "إنما سُمّيت ابنتي فاطمة ؛  لأنّ الله فطم مَن أحبّها عن النار ".
واما ما ورد بشأنها في حديث الكساء ونزول آية التطهير ليكشف هذا أيضاً عن طهارتها وعصمتها وشرفها وعلو مقامها.
وكانت الزهراء عليها السلام أشد النساء التزاماً بالحجاب والستر ، حتى لمّا سُئلت : " يا بنت رسول الله ، ما خيرٌ للنساء ؟ ، قالت : " أن لا يَريَنّ الرجال، ولا يراهنّ الرجال ".
ودلالة هذا النص لا تعني النهي الإلزامي الفقهي عن رؤية الرجال ، ولكن التعبير فيه عن أكمل صور الحياء والستر والشرف والعفة في أن لا تنكشف المرأة على الرجال الأجانب ، وأن لا تكون بينهم في موضع نظر وريبة ، وإذا ما اقتضت الضرورة لخروجها فتلتزم بالستر والحجاب الكامل بحيث لا تكون محط أنظار الرجال أو محادثاتهم، كما لا تكون في عزلة تامة تبتعد عن أداء دورها الرسالي في الحياة الاجتماعية، بل نجد خروج الزهراء عليها السلام الى المسجد وخطبتها البليغة والعظيمة في كبار الصحابة، وهي محاطة بحفدة من نسائها وبكامل حجابها وسترها ووقارها وعفتها، وخطبت فيهم من وراء ستر لتمثل أقوى معارضة مدعومة بالحجج والأدلة من القرآن والسنة ، وقد كشفت زيف أرباب السقيفة ومؤامرتهم ومخالفتهم لنصوص ثابتة في القرآن والحديث ووصية الرسول ( ص )،فلم يمنعها حجابها من القيام بمسؤولية الدفاع عن الحق وكشف الباطل، وهكذا حال ابنتها الحوراء زينب عليها السلام في الكوفة والشام بعد واقعة كربلاء.
وهذه هي القيمة الإنسانية للمرأة أسوة بالرجل، وقد جاء بها الإسلام ليحمي شرف المرأة ويصونها ويمنحها الحقوق العادلة والمنصفة ، ويلزمها بتكاليف تبرز من خلالها دور المرأة الإنساني وشراكتها مع الرجل من أجل التكامل الحياتي بينهما المبني على التفاهم والانسجام والحب والتعاون.
ومن هنا يمكن أن نتكلم عن الشرف ومفهومه الواسع الذي له أبعاد كثيرة ومعانٍ متعددة على الصعيدين النظري والعملي، والفكري والسلوكي ، مما جعله مورداً لاستعماله في جهات وعناوين متنوعة تعكس المستوى الرفيع والعالي للإنسان سواء على مستوى العفة أم الإحصان أم الخُلُق أم الفضائل الكريمة أم القيم الرصينة أم نقاء السريرة أم العدالة أم الأصول النسبية والحسبية أم الدفاع عن الحق والمظلومين أم الالتزام بشريعة رب العالمين أم الاستقامة على جادة الأنبياء والمرسلين والأوصياء الطاهرين التي توجب جميعها الرفعة والعلو في المكانة والمنزلة.
وعليه يمكن التعرف على معنى الشرف في اللغة العربية لتتضح حدوده .
الشرف: هو العلو والمكان العالي . كما ورد في الصحاح للجوهري ج٤ ص ١٣٧٩.
ومنه سُمّي الشريف شريفاً تشبيهاً للعلو المعنوي بالعلو المكاني .
وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط ج٣ ص ١٥٧ ، الشرف : العلو والمكان العالي والمجد ....أو علو الحسب.
والمجد : هو بلوغ النهاية في الكرم والسخاء أو يراد منه الكريم وحسن الأخلاق والأفعال، ويُطلق أيضاً على المآثر الحميدة والأعمال الجليلة التي يشتهر بها الآباء والأجداد لتكون موضع فخر واعتزاز.
والحسَب: يُراد منه الصفات الأخلاقية الحميدة التي يكتسبها الإنسان بأفعاله كالكرم والنخوة والمروءة والإيثار والسمعة الحسنة المكتسبة أو الموروثة وما إلى ذلك.
وبالتالي فإنّ معنى الشرف في اللغة : هو المجد والرفعة والعلو في المكانة والمنزلة.
وهذا يعني أنّ اتصاف الإنسان سواء كان رجلا أم امرأة بما ذكرنا من أبعاد وعناوين مع عدم ارتكاب القبائح المخلّة إنما توصل صاحبها إلى مستوى عالِ من الشرف لتضمنه النقاء والمجد والرفعة وعلو المكانة والمنزلة .
وهذه الصفات المتنوعة مطلوبة لدى العقلاء والحكماء والعرفاء ، وهي موضع تنافس وتفاخر بلحاظ كونها من المبادئ والقيم والأخلاق الثابتة والمغروسة في فطرة الإنسان والتي ينبغي المحافظة عليها وصونها ؛لأنّها  من القضايا الحسنة التي يُدرك العقل حسنها ومما ينبغي فعلها، كما تعتني الشريعة المقدسة بها وتمنحها مزيداً من الاهتمام والرعاية والتقديم بحسب رتبة كل منها وفق الملاكات والأولويات.
ولكننا اليوم بحاجة مُلِحّة للحديث عن شرف المرأة وإنْ كانت الأبعاد والعناوين الأخرى مطلوبة أيضاً بشكل ضروري وبمستوى عالٍ إلا أنّ الحديث عن المرأة في عصرنا الراهن له الأولوية فيتقدم على العناوين الأخرى لخطورة ما يتعرض شرفها إلى أزمات ومواجهات وتحديات ومؤامرات ودسائس خطيرة وعظيمة يقودها الاستكبار العالمي الشيطاني وعبر قنوات متعددة خارجية وداخلية مما يستدعي اجماع الأمة للنهوض والدفاع عن كيان المرأة المسلمة بما تمثله من عنصر مؤثر على واقعنا الأسري والتربوي والاجتماعي والديني والأخلاقي والفطري (فطرة الإنسان).
إذن شرف المرأة : أن تكون نقية الثوب بمعنى بريئة من الدنس والآثام ، ونزيهة عن الأقذار المعنوية المحرمة وممتنعة عنها قولاً وفعلاً سواء كانت متعلقة بالفرج (الزنا) أم البطن (أكل للحرام) أم الأقوال ك(الكذب والغيبة والنميمة والبهتان ) ، واكتسابها الشرف سبب لوصفها بالعفة لكف نفسها قولاً وفعلاً عما لا يحل.
وقد نُســب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله : " سبب العفة الشرف " .
أي إنّ عفة المرأة نابع من شرفها، لا من نسبها أو ثرائها أو وجاهتها ومناصبها.
وفي حديث آخر: " أفضل نسائكم ....العفيفة الغافلة عن غير زوجها " .
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام : " خيرُ نسائكم العفيفة الغافلة عن غير زوجها ، السامعة المطيعة ".
وعن الامام الباقر عليه السلام في وصف المرأة الصالحة بأنها : " العفيفة المطيعة ،  التي إن خلتْ بنفسها حفظت لزوجها نفسها وماله ".
فالعفة إنما تعني : حفظ النفس عمّا لا يحلّ من قول أو فعل أو نظر أو علاقة.
والعفة تعني بعبارة أخرى : هي الكف والامتناع عن المحارم كالزنا ومقدماته ، والتحكم في الشهوات وضبطها فيما يتعلق بشهوة البطن والفرج، وأما مقدمات الزنا كالنظر بريبة وشهوة  ومجالسة الرجال الغرباء وتناول أطراف الحديث معهم من غير ضرورة والمسامرة معهم وملاطفتهم ومصافحتهم وتقبيلهم والإطلاع على عوراتهم ، وكل هذه مما تخلّ بالشرف والعفة.
والعفة تشمل الظاهر والباطن ، أي القلب والسلوك معاً، فلا يكفي أن تقول يكفيني القلب السليم وهي تمارس المحرمات من القبائح والرذائل ، كما لا يكفي أن يكون ظاهرها سليماً وباطنها مريضاً ترتكب ما لا يحل في الخفاء ، بل لابد من توافق وتطابق الظاهر والباطن حتى يحصل الشرف والعفة.
ومما هو مُدْرَك بالوجدان أنّ العفة زينة للمرأة بما تحمل من شرف وقناعة وايمان، وتكون عاملاً أساسياً في استقرار الأسرة وبناء مجتمع فاضل.
وأما معنى قول الصادق عليه السلام : الغافلة عن غير زوجها : هي أن تكون الزوجة مُعْرِضة بذهنها وعاطفتها عن غير الزوج ، أي أنها لا تهتم بنظرات الرجال ، ولا تفكر في غير زوجها ، ولا تتزين أو تتود إلا له.
فتكون غافلة عن الرجال الأجانب بمعنى أنها لا تشغل قلبها ولا عينها بهم، كأنهم غير موجودين في عالمها.
ولذا تجد قلبها متوجه فقط نحو زوجها وبيتها وطاعة ربها.
ومثال ذلك يتجسد في الزهراء عليها السلام ، حيث قال عنها أمير المؤمنين عليه للسلام : " فو الله ما أغضبتني ولا عصت لي أمراً ".
فهي كانت عفيفة القلب والجسد ،  لا تنشغل إلا بطاعة الله تعالى وزوجها ورعاية أولادها.
ومن مقتضيات عفة المرأة أن تلتزم بحجابها الشرعي الفضفاض وأفضله العباءة الاسلامية العراقية والمعروفة بالعباءة الزينبية بعيداً عن الحجاب الصوري المزيف الذي لا يختلف عن لباس السافرات المتبرجات في زينته وإظهاره لمفاتن الجسد، ومن العفة أن لا تخرج من دارها وهي متزينة ظاهرة للأجانب مع وضع المساحيق التجميلية على الوجه وإظهار زينتها من القلائد والأسورة وأجزاء من جسدها وشعر رأسها بما تبتعد هذه المرأة كلّ البعد عن الشرف والعفّة.
فحذاري ايتهن النساء الشريفات العفيفات والصابرات المؤمنات من الوقوع بمكائد ومصائد بنات السفارات اليوم والرفيقات المتعفلقات والناشزات والهاربات والخائنات لأزواجهن ولأسرهن والمأزومات من عقدة طلاقهن والمنبوذات والمشهورات بالأعمال المحرمة قولاً وفعلاً ، والعاملات في الملاهي الليلية الخاصة والعامة، والمفضوحات على القنوات الفضائية المأجورة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحركها الجيوش الالكترونية المجندة من قبل أعداء الإسلام والمسلمين ببث الفرقة والطائفية ونشر الفتن والمفاسد والانحرافات والتشجيع على ممارسة الرذيلة والتمرد على نظام الأسرة وإشاعة الفحشاء والمنكر لإسقاط مقومات أسرنا ومجتمعنا ومراكز قوتنا.
فإنّ الكثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يأمران بوجوب الحجاب والتقوى، فاتقوا الله واجتنبوا المحرمات والقبائح والرذائل، هدانا الله واياكم لما يحب ويرضى ، وجنبنا ما يبغضه ويسخطه، فإنّ غالب المدارس والجامعات أصبحت بلا تربية ولا تعليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،  وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أبو الحسن حميد المقدس الغريفي
النجف الأشرف
١٣/ جمادي الأولى/ ١٤٤٧ هجرية
٥/ ١١/ ٢٠٢٥ ميلادية

شرف المرأة إلى أين ؟

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

تنبيه
  • قبل كتابتك لتعليق تذكر قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))
  • شكرا لك